عمل انقلاب قائد الجيش منذ إعلانه لصالح بقاء النظام المخلوع واعادة واجهاته التي عملت على تمكينها قرارات أصدرها البرهان منذ اليوم الثاني للانقلاب وكانت هناك كثير من المؤشرات التي كشفت نية المكون العسكري حتى قبل اعلان الانقلاب ، أي منذ توقيع الوثيقة الدستورية انها نية ليست كاملة وصالحة في عملية التغيير والتحول الديمقراطي، فالمكون العسكري لم يكن صادقا في نواياه ، وظهر ذلك جليا في تأجيل المحكمة الدستورية وتعطيل تشكيل المجلس التشريعي وعدم إصلاح الجهاز القضائي وعدم محاكمة رموز النظام المخلوع و الحملة المسعورة ضد لجنة ازالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو ٨٩ ، وضد الحكومة المدنية .
وذكرنا انه وبعد اول قرار اتخذه قائد الجيش بإعادة عدد من عناصر النظام الي الوزارات وعدد من المؤسسات ، برهن به أن كل ماذكر في يوم اعلان الانقلاب لم يكن صحيحا ، لكن حديثه عن ( أن لا مجال لعودة فلول حزب المؤتمر الوطني ) اخذ النصيب الأكبر من الخدعة ، وهاهو الانقلاب يدخل أيامه بعد المائة ، والدولة العميقة تعود كل يوم وكأن الرئيس البشير عاد الي منصبه من جديد ، ولم يتبق للبرهان الا اصدار قرار بإطلاق سراح قيادات المؤتمر الوطني الذين أن عادت دولتهم ( بشحمها ولحمها ) فماذا يفيدنا أن بقوا بسجن كوبر او كافوري !! ولاشي يمنع قادة الانقلاب من ذلك القرار الا الخوف على مناصبهم.
وصدرت بالأمس عدد من القرارات التي تم بموجبها إعادة عشرات من اتباع النظام الي مواقعهم ، بعدد من الوزارات سيما الذين تم ابعادهم بقرارات لجنة ازالة التمكين ، فالبلاد الآن تحت قبضة الفلول بحكم (أفقي) وهو الأخطر من الحكم الرأسي لأنه بهذه الطريقة يعرقل مسيرة التغيير ويتحكم في مقاليد الدولة وقرارها واقتصادها ومواردها .
لذلك فإن الوجه العام للحكم الآن يبدو بملامح مشوهة ، قيادة عسكرية ومجموعات كيزانية تسيطر على الخدمة المدنية ، واقتصاد تسيطر عليه قوات الدعم السريع بعد هيمنة وسيطرة قياداتهم وتمددهم في مواقع مهمة ، كل هذا يكشف ضعف وهشاشة الحكم الذي جعل الصورة المحطمة له تظهر في مرآة المواطن، لتبدو في هيئة وجوه متعددة كله يحكم الان ويرى نفسه صاحب الكلمة والقرار ، و(جرب مرة) او قم بعملية استهجاء لكلمة (دمج) فالكل سيضغط على الزناد .
لهذا يجب أن تستعد الثورة لمعارك اكبر و مواكب أضخم وتتشبث بسلميتها المعهودة فالمواجهة الان اتسعت رقعتها ، والعدو أصبح من الخلف ومن الإمام فكل الذي حدث او سيحدث في أيام قادمات لن يكون الا دافعا ووقوداً للثورة فثورة قدمت خيرة شبابها لن تعود الي الوراء إلا بعد أن تحقق لهم مادفعوا أرواحهم لأجله ، فعودة الفلول لن تكون أخطر من نظامهم وامبراطورياتهم التي هدمت صوامعها الثورة عندما رفعت شعار الحرية والسلام والعدالة ، ولكنه اسلوب ومحاولة فاشلة للتثبيط الذي لن يجد له مكانا في قلوب رجال واجهوا بسلميتهم الموت والرصاص . ولكنه آخر الأساليب التي يمهد بها قادة الانقلاب الطريق لقرارات أخرى أن قبلها الشارع وتجاوزها ، ليستمر البرهان ليس في انقلابه ولكن في عودة نظام المخلوع كاملا، بعد أن رفع له الآن لافتة كتب عليها مرحبا بكم في الدولة العميقة .
طيف أخير :
المشاعر التي تغيرت بسبب الإدراك لا تعود، المُدرك ليس كالغاضب، المُدرك لا يعود أبداً … الثورة مستمرة
الجريدة