المغرب، بلدي الثاني، هذا البلد المعطاء الذي ارتسم حبّه في دواخلي، بكل تجلياته، البعيدة والقريبة، بأهله وحاراته البديعة، بزنقاته المعطاءة، وبعبق وعطر الليمون الفوّاح في شوارعه الوارفة الظليلة، لقد ألف بين قلوب الشعوب العربية عبر دأبه في إنقاذ الطفل ريّان، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته، ومن ثمّة أثبت للعالم أجمع وبجدارة أن كل نفس، لا سيما أرواح الأطفال، هامة بالنسبة له وأنّه يفديها بالغالي والنفيس ولا مساومة في الأمر أبدًا أبدًا مهما كلف الأمر من جهد وتفانٍ.
حقيقة يا سادتي من يستطيع أن يحرك الجبال ويحشد الحشود وينبري لا يلوي على شيء إلا ونجدة ريّان العرب، فلذة من فلذة أكباده، فقد بلغ غايات سامية وارتاد آفاقا عالية وتربع على عروش غالية. فليشهد العالم هذا الألق وهذا الجمال وهذا التفاني الخارق للعادة، ذلك رغم الحزن الذي أبكانا لفراق حبيب الشعوب ريّان المغارب والمشارق، فكم شدني بل وأدهشني ما قام به رجال ونساء المغرب من أجله. يا لها من أمّة نرفع لها القبعات.
وعلى إثر الحادث المفجع الذي أودى بحياة الطفل ريان اورام، أجرى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، اتصالا هاتفيا مع السيد خالد اورام، والسيدة وسيمة خرشيش والدي الفقيد، الذي وافته المنية، بعد سقوطه في بئر، فيا للعظمة ويا للتواضع.
وبهذه المناسبة المحزنة، أعرب جلالة الملك محمد السادس عن أحر تعازيه وأصدق مواساته لكافة أفراد الأسرة في فقدهم الجلل، وأن لا راد لقضاء الله فيه، وقد تضرع لله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم ذويه جميل الصبر وحسن العزاء، في فقدان فلذة كبدهم ريّان المغرب والعرب.
ومن سمو الأعمال، أن جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، أكد أنّه كان على قرب من مجريات الأمور لحظة بلحظة وكان يراقب عن كثب تطورات الحادث المأساوي، فقد أصدر تعليماته السامية لكل المعنيين من أهل السلطة والتنفيذ، بصدد اتخاذ كل الإجراءات اللازمة، وبذل قصارى جهودهم لإخراج ريّان العرب من غياهب الجب. إلا أنّ إرادة الله عز وجل شاءت أن يلبى نداء السماء راضيًا مرضيًا ليسكن في فسيح جنان الكوثر مع الطاهرين المطهرين والأنبياء المرسلين.
وقد عبّر جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وسدد خطاه، عن تقديره للجهود الدؤوبة التي لم تبطرها صعوبة المهمة ولم يكسر قوة جأشها الصعاب التي واجهتها، فلقد بذلت السلطات المغربية الفائقة الحرفية كل ما في وسعها، جلّها من قوات عمومية، وفعاليات جمعوية، وشكرها جلالته لتضامنها المنقطع النظير وتعاطفها الواسع المدى، ولرحابة صدرها وجلدها، في شأن ريّان العرب وتجاه أسرته المكلومة، والتي حظيت من الجميع بالمواساة في تلكم اللحظات الحرجة المأساوية.
نعم، مدهش ومفرح في نفس الوقت أن أسرة ريّان قد حظيت في هذا الظرف الأليم مختلف الفئات والأسر المغربية الأذن الصاغية واليد المواسية والقلب الذي يمسح دموع الفراق. لقد ختم جلالته خطابه في الشأن بمواساته لأسرة الفقيد وأكد للأسرة سابغ عطفه وموصول عنايته. ألا رحم الله ريّان العرب رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.