تحتفل المملكة العربيَّة السعوديَّة يوم الثلاثاء (22 فبراير 2022م) بيوم التأسيس، الذي كان قد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مرسومًا ملكيًّا للاحتفال به. وهذا اليوم احتفال بتأسيس الإمام محمد بن سعود الدولة السعوديَّة الأولى في فبراير 1727م، أي إنّه بعد خمس سنوات سيكون الاحتفال بمرور ثلاثة قرون على هذه الدولة، ويحمل الاحتفال شعارًا بسيطًا، إلا أنّه عميق المعنى والمحتوى في الوقت نفسه، وهو “يوم بدينا”. وفصلت وكالة الأنباء السعودية الحديث عن هوية هذا اليوم، إذ “يظهر في منتصف الشعار أيقونة رجل يحمل راية في إشارة إلى بطولة الرجال، ويدل التمر على النماء والحياة والكرم، والمجلس على الوحدة والتناغم الثقافي المجتمعي، والخيل العربي على الفروسيَّة، والسوق على الحراك الاقتصادي والتنوّع والانفتاح على العالم”. وكُتبت عبارة “يوم التأسيس – 1727م” بخط مستلهم من مخطوطات عدة وثقت تاريخ الدولة السعودية الأولى؛ بما يعبر عن الاعتزاز بالإرث الثقافي والاجتماعي للمجتمع السعودي. وأهم معنى لهذا الاحتفال أن رؤية المستقبل (2030) لا تقوم إلا على أساس متين أقامه الأجداد والآباء، ويعتز به الأبناء، وحريصون على أن يظلّ مترسخًا في وجدان كل جيل؛ لأنَّه حسب المثل الشعبي “من فات قديمه تاه”. وهذا هو الاقتران الإيجابي بين استلهام التراث واستشراف المستقبل، الذي جعل المملكة نموذجًا مشرفًا لدولة عربيَّة ناهضة، وقادرة على أن تكون في واجهة المشهد العالمي. وقد بدأت المملكة العربيَّة السعوديَّة الاحتفال بيومها الوطني ابتداءً من عام 1965م، حين أصدر الملك فيصل –رحمه الله- مرسومًا ملكيًا للاحتفال بتوحيد المملكة في 23 من سبتمبر من كل عام. وكان المسوغ أن يكون للسعودية يوم وطني يحتفي به أبناؤها، ويفاخرون بإنجازاتها، ويتذكّرون فيه أمجاد البطولات التي بذلت لتوحيد أرجاء بلادهم على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيّب الله ثراه.
وقد أُقيم أول احتفال باليوم الوطني بقصر أبو حجارة في الطائف، ولم يصبح هذا اليوم إجازة رسميَّة إلا في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أمر بأن يكون اليوم الوطني السعودي الـ75 إجازة رسميةَّ للدولة، وذلك في عام 2005م. تحول اليوم الوطني في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مهرجان ينتظم كل أرجاء المملكة، ويشتمل على عدد كبير من الفعاليات التي تؤكد معاني الانتماء للوطن، والوفاء لمن كان له دور كبير في توحيدها، والانطلاق بها إلى قلب العصر، للتفاعل معه أخذًا وعطاءً ومواكبة. واتسمت شعارات اليوم الوطني التي بدأت من الاحتفال (85) بتنوّع تعبيراتها، فحملت على التوالي: “وطني هويتي”، و”دام عزك يا وطن”، و”رؤية وطن”، وكلها تأكيد لما يعنيه الوطن، والانتماء إليه، وقد غلب عليها اللون الأخضر. وترسيخًا لأهميَّة هذا اليوم، كان إطلاق وزارة الإعلام السعودية ممثلة بمركز التواصل الحكومي شعار رسمي للاحتفال في عام 2018م، وجاء الاحتفال باليوم الوطني الـ88 بعنوان «للمجد والعلياء»، وصُمم الشعار على شكل خريطة المملكة، ومثلت الانحناءات تضاريسها، وشكّل عدد الأحرف مع الرقمين 88 مناطق المملكة الـ 13. ودشنت الهيئة العامة للترفيه في ذكرى اليوم الوطني الـ89 الهويّة تحت شعار «همَّة حتى القمةَّ»، وجرى الاحتفال تحت هذا الشعار في العام التالي أيضًا، وهو مستوحى من عبارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: “همة السعوديين مثل جبل طويق.. ولن تنكسر إلا إذا انهدَّ هذا الجبل، وتساوى بالأرض”، وجاءت عبارة “همة حتى القمة” مكتوبة على نحو يوحي بالقوة، وفي أعلاها يبدو جبل (طويق)، الذي أشار إليه ولي العهد السعودي.
وحملت الهوية الخاصَّة باليوم الوطني السعودي الـ91 شعار «هي لنا دار»، والدار تعبير عن الوطن، بما يعكس الانتماء والحميميَّة، وقد جاء التصميم الفني على شكل خريطة المملكة العربيَّة السعوديَّة، ووضع عليها الشعار اللفظي “هي لنا دار” بخط الثلث، مع مجموعة من الألوان، هي: الأخضر، والأزرق، والأحمر، والأصفر، والبرتقالي، وعبرت الهويّة بمكوناتها عن رؤية المملكة، ومشروعاتها، التي تتخذ “الأنسنة” مفهومًا وعنوانًا، ويتمثل ذلك في مشروعات البحر الأحمر ونيوم وذا لاين، ومبادرة السعودية الخضراء، ومترو الرياض، والبرنامج الوطني للطاقة المتجدّدة، ومشروع القدية، والقمر الصناعي شاهين سات، وبرنامج تطوير الدرعيَّة التاريخيَّة. ويبرز هذا التطوّر الذي يشهده احتفال السعوديَّة بيومها الوطني الاهتمام بتحقيق اصطفاف أبناء الشعب وراء قيادته من أجل استشراف المستقبل في وحدة وتناغم، يمكن بهما مواجهة هذا العالم المتقلب، الذي تحكمه المصالح، وتحيط به المكائد والأطماع، حتى لم يعد من منجى إلا الاعتصام بحبل الله المتين، والتوحد تحت مظلة وطنية جامعة، استشرافًا للمستقبل، مع استلهام الماضي، والعيش في قلب العصر، ومواكبته. ولعل ما عكسته شعارات الاحتفال، والتركيز في أن تحمل معاني، وتدفع بطاقة إيجابيّة في النفوس باستنطاق الألوان، واستلهام التراث، وإضفاء روح الجمال والشمول على الفعاليات، بما يتيح مشاركة كل أفراد الأسرة، لعل ذلك كله يشي بما تشهده اليوم المملكة من نهضة تنتظم كل شبر فيها، ويمثل فيها الإنسان الساس والرأس. نهنىء المملكة العربية السعوديَّة، وهي تحتفل بيوم التأسيس الوطني الذي يؤكد ما لها من عمق تاريخي، وتجربة عريضة مرّت بمراحل مختلفة، وتحديات جسيمة، ولكنها استطاعت أن تتجاوز ذلك كله بوحدّة فريدة، وتماسك تُغبط عليه، ولحمة وطنيَّة يتطلبها النهوض الحضاري، والاستمرار في الوثوب نحو المستقبل بقوة وثبات.