في صحبة الأخ السفير د. الخضر هارون وابنه عامر كانت لي جولة أول من أمس السبت طوّفنا بها أرجاء مكة الشريفة ومعالمها التاريخية المنيفة.
وصحبة الأخ الخضر فيها ملازمة طيف من الآداب والأفكار حوتها من قبل مؤلفاته (رسائل في الذكري والحنين) و(رؤى في الفكر والثقافة والأدب) وأخيرًا
كتابه بالإنقليزية The making and the Breaking of the United Sudan الذي تتولي تسويقه أمازون.
بدأناالجولة ببئر طوى وإلى هنا وصلت التوسعة الجديدة للحرم المكي، وهي البئر التي اغتسل بها الرسول صلى الله عليه وسلم يوم دخول مكة في الفتح. ومررنا بالجبل الذي كان يسمى قديمًا المستنذر، وذكرته مراجع قديمة بجبل أبولهب، ويُعرف المكان حاليًا عند الشعبيين بحي أبو لهب، والأغرب أن المسجد المقام فيه يسمى أيضًا مسجد أبو لهب!
وسرنا عبر وادي بَلْدح (طريق مكة جدة القديم) في الطريق إلى متحف الحرمين الشريفين ومصنع الكسوة المشرفة. واسم بلدح غير معروفة الآن، وفيها يقع حي أم الدود التاريخي الذي غيَّر اسمه أمين العاصمة المقدسة ليصير أم الجود.
ومن هناك كان مسيرنا عبر الطريق الدائري الثالث إلى الجزء الجنوبي من مكة، حيث توقفنا عند سفح جبل ثور (الصورة وأنا أشير إلى قمة الجبل حيث غار ثور وتعلوه صخرة تشبه الثور وبها أخذ الجبل اسمه).
وما كان لي ولا لأخي الخضر أن يطيق صعود الجبل، واكتفينا بمشاهدة عشرات الرجال والنساء يتخذون طريقهم للقمة. صعدت الجبل وعمري (57) عامًا، ويومها وجدت مشقة في الصعود والهبوط في رحلة استغرقت ساعتين.
وتوجهنا تلقاء المشاعر لنلقي نظرة من بعيد على المزدلفة عابرين مشعر منى إلى المعيصم، ويسأل الأخ الخضر عن مكان مخيم جعفر أكبر حيث كان نفر من السودانيين يحجون فيه.
واكتفينا أيضًا بالوقوف عند سفح جبل النور الذي يستطيع الواقف في أسفله رؤية غار حراء في قمة الجبل.
والصعود إلى غار حراء يستغرق ثلث ساعة فقط، وقد صعدت الجبل مرات عديدة، إحداها مع أسرة أمريكية كنت أرافقهم مترجمًا، وأذكر كيف أن أحد أطفال تلك الأسرة سأل والدته عندما قيل له بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى هنا ليتعبد في الغار، فسأل ببراءة الأطفال: كيف كان الرسول يصعد بثلاجته إلى هذا المكان المرتفع؟ وأنا استغربت مثل هذا الطفل كيف أن هؤلاء الآسيويين رفعوا الثلاجة والـ (ديب فريزر) إلى جبل ثور ليبيعوا الماء والمثلجات هناك!
ومن حي جبل النور توجهنا عائدين إلى المنطقة المركزية للحرم مرورًا بمقبرة المعلاة التاريخية، ومسجد الجن. وعلى يسار الذاهب إلى الحرم يقع المكان الذي وُلد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقوم مكانه مكتبة مكة المكرمة.
وانتهت الجولة بالعودة إلى فندق أنجم مكة الذي يطل على الحرم، والدخول بالسيارة والخروج منه سهل ميسور على عكس الفنادق الأخرى القريبة من الحرم، وكثيرًا ما نجد العنت في الوصول إلى تلك الفنادق إذ نضطر للسير على قدمين مسافات بعيدة.
لم تعد الأقدام تقوى على السير الطويل، أما الركبتان فيصدق فيهما قول الشاعر جرير:
تُحنِّي العظام الراجفات من البلى
وليس لداء الركبتين طبيبُ…