مع رفضنا القاطع لتدخل الدول في شؤون بعضها الآخر، إلاّ أن الرئيس الأوكراني قد ارتكب غلطة العمر، بمحاولة انضمام بلاده إلى حلف النيتو.
إذ لم يحسب حساباته بشكل حصيف. وقد اعتمد كثيرا على حديث المجاملات الودية في كوكتيلات العشاء بالدول الغربية، وخاصة في فرنسا وبريطانيا، مع وجود تشجيع هامس من أميركا عبر الأطلسي. ثم انه يحاول الانضمام إلى حلف النيتو دونما إجراء استفتاء بين مواطنيه، لا سيما أن مثل هذا الإجراء يقتضي بلورة إجماع وطني واسع.
بالنسبة لروسيا، فإن انضمام أوكرانيا إلى حلف النيتو يمثل تهديدا أمنيا لا تخطئه العين. ذلك أن روسيا البيضاء وأوكرانيا هما النافذة الفاغرة بين روسيا وحلف النيتو. تماما كما لو أن جارك يستقبل زمرة من اللصوص ويتسامرون الليل بطوله، ويطالعون في الحيطة الفاصلة بينكما. ذلك خطر ماثل ولا شك!
الآن، من الواضح أن هدف روسيا هو تغيير الحكم في أوكرانيا. وسيفعلون. وباتوا اليوم قاب قوسين أو أدنى من هدفهم. وريثما تعود الأوضاع إلى سابق عهدها، خاصة وأن خروج روسيا من سوق الطاقة قد أحدث خللا في تروس الماكينة الأمريكية والأوروبية سواء بسواء. وقد ارتفعت أسعار النفط والغاز الطبيعي ارتفاعاً جنونياً تجاوز كل التقديرات. روسيا من جهتها، تستطيع أن تستعيض بالصين كسوق لمنتجاتها النفطية، وهو أمر اتخذ له بوتين حيطة عندما سارع إلى زيارة الصين في الوقت المناسب، والحصول منها على تأييد لخطواته على المسرح الأوكراني.
وبناء على الوقائع الماثلة أمامنا، ليس من المتوقع أبداً أن يتطور الأمر إلى حرب واسعة النطاق تتجاوز أوكرانيا، مثلما توقع بعض المتشائمين. فبعد القنبلة النووية، لم تعد الحرب خيارا معقولاً لحسم القضايا الدولية، إذ ستكون كارثة ليس هنالك من يجرؤ على تحمل تبعاتها. وما هيروشيما وناجازاكي إلا نموذجا ناجزا على ذلك. ومن المرجح أن تمارس الحرب على صعيد اقتصادي أشد فتكاً من القنابل.