موكب الأمهات والآباء بالأمس مشهدٌ جديد من مشاهد السودان العظيمة وسطرُ أخر في مدونة أيام الوطن الخالدة التي تكتب بماء الذهب بل بالدماء الغوالي.. وهي ملحمة أخرى من ملاحم الاندماج الوطني والوعي الشعبي وصفعة كبرى (ذات رنين) في مواجهة جهالات التجزئة وسماسرة شق الصفوف وإعلام الخنا.. أعداء الحرية والتنوير أصحاب الرءوس الضخمة الفارغة (إلا من المخاط) وأصحاب الكروش التي استطعمت السحت فأصبحت رهينةً للمال الحرام وبيع الضمير برشوة صغيرة تتواءم مع قاماتهم القصيرة..! ..إنها صفعة مجلجلة لمرضى النفوس من (البقّالين) الذي يتزيوا بأزياء السياسيين وشراذم النظاميين المتقاعدين (خبراء الإستراتيجية الانقلابية) الذين تقاعدوا في غيابات الجهل ولم يستقبلوا حياتهم الأخرى بالتوبة والإنابة وهم يخرجون على الناس في القنوات وقد اسودت وجوههم من الكذب ولحن القول.. يزايدون بالباطل حتى على دماء الشباب وجثث الصبايا.. ومع هؤلاء وأولئك طالت الصفعة جنرالات الغدر ومغتصبي الأوطان الذين لم يفهموا حتى الآن الأبعاد الوطنية الجديدة التي جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة..!!
لقد كان يوم الأمس يوماً مشهوداً يخاطب الذين أرادوا أن يستفردوا بشباب المقاومة وخيلت لهم ظنونهم أنهم يستطيعون أن يركبوا على رءوس الناس بالقتل والسحل والترهيب، وإنهم قادرون على ترويع أبناء الوطن وبناته بالبنادق ورصاص القنص..فكيف فات عليهم لولا الجهل المركّب وهم يفجعون الأمهات والآباء في أبنائهم أن كل فتى إنما هو ابن أم وأب….!! وان هؤلاء الشباب لا يخرجون من العدم إنما من بيوت أمهاتهم وآبائهم.. وأن أهاليهم يعلمون أن المليشيات ورصاص الغدر يتربص بأبنائهم في الطرقات..فكيف ساغ لهم الظن أن هؤلاء الشباب معزولون عن أسرهم وأهليهم..؟!
اليوم ربما يعلم الذين يريدون بيع الوطن في أسواق النخاسة الدولية والمحلية أن الشعب متوحّد حول هدف واحد، وأن مسيرة الانقلاب العرجاء لن تركب على رءوس الناس مهما تسلحت وحشدت وقتلت واعتقلت وطاردت..فها هو الشعب الأبي العظيم يكتب ملحمة جديدة خرج فيها الآباء الأمهات يعلنون للعالم وللطغيان المحلي أنهم مع أبنائهم وبناتهم في قارب واحد..؟! وكيف لا يكونون معهم إن لم يطمس الله بصيرة الانقلابيين الذين يراهنون على ما لا يجوز الرهان عليه..ويولون ظهرهم للشعب صاحب الحق الوحيد بالسيادة في وطنه..!
ما أبهى هذه الوجوه السمحة التي تحتشد بملامح الوسامة الوطنية و(الشيب الأنيق) والأبوة والأمومة االحانية والمناضلة التي قدمت وتقدم أبناءها وبناتها فداء للوطن.. بل هي تخرج معهم إلي الشوارع وتقاسمهم مصائرهم..راضية بالتضحية من اجل الأهداف النبيلة والمرامي السامية..وقد ساروا مع أبنائهم وبناتهم وبجانبهم اسر الشهداء والمصابين يرددون شعارات العزم والتصميم (ما براكم نحن معاكم) التي يرتجف لها المرتزقة وأنصار القهر والنهب..أليس هذا من شواهد الانتقال العظيم إلى عهد جديد من الوعي الوطني والتلاحم الشعبي الذي لم يحدث بهذه الكيفية طوال تاريخ السودان الحديث..!! أنتم لستم عجائز حاشا وكلا..اتركوا العجز للمتوارين خلف المليشيات ولجنة الإنقاذ الأمنية، واتركوه للذين يقتلون الشباب الأعزل غيلة ويتخفّون بالسواتر والآليات..ويكذبون على الله والشعب..هؤلاء هم عجائز العيب الذي يتمرّغون في أوهام الاستفراد بالشباب..هذا الشباب الذي بجانب الصمود والتضحية.. يعكف الآن على كتابة ميثاق موحّد لتأسيس سلطة الشعب..فأين المهرب من سلطة الشعب..؟!!
murtadamore@yahoo.com