ما يجمع عليه المراقبون من زيارة السيد محمد حمدان دقلو ووفده المرافق المكون من ثمانية عشر شخصا كونها زيارة قد أخطأت مواعيدها وظرفها السياسي الدقيق. فروسيا بوتين التي ترتكب أبشع الانتهاكات والوحشية غير المسبوقة في عدوانها وحربها على أوكرانيا تغرق في وحل الأفعال المنافية لعلاقات الجوار وقيم السلم والسلام العالميين.
فروسيا المتهمة بالعدوان على جارتها وحليفتها في منظومة الاتحاد السوفيتي السابقة لم تجد في هذه الأيام العصيبة من زائر لا يقرا التفاصيل والوقائع على أرض السياسة مثل محمد حمدان دقلو الذي حطت طائرته على مطار شيريميتييفو ٢ في أجواء غير مناسبة وغير متسقة على الإطلاق.
الزيارة وبالتوقيت الخاطئ لا تسجل نفسها فقط كزيارة في خانة الإدانة وفي حيز عدم التقدير السياسي فقط، ولكنها تقدم اتصالا مباشرا بين نظام أبوي أنموذجي كانت قد انتظمت في مدرسته سلطة الإنقاذ الأولى في استخدام فلسفة القوة الشاملة وفي أولها القوة العسكرية كأسلوب للحكم ونظام تجديدي استيعادي للإنقاذ يتتلمذ على تلك الفلسفة ويطبقها في أحوال دولة انتقالية هشة من حيث التطور الديمقراطي.
فروسيا صاحبة الرصيد النوعي في تاريخ سلطات القهر القيصري واشتراكية الدولة والحكم بالحديد والنار تمضي في التعبير الطبيعي عن أصالة سلطتها الاستعمارية الاستيعابية بمعاقبة دول الجوار الخارجة عن طاعتها، بينما يتمدد بالسودان انقلاب يعمل على استلاف كافة عناصر القهر المتناقضة مع بنية التاريخ الخاص في علاقة السلطة والشعب بالسودان التي شهدت وتشهد حاليا أعلى درجات المقاومة الشعبية.
تعد الكليبوتوقراطية أو حكم اللصوص هي كلمة سر الاتصال السياسي القائم بين النظامين وما يجمع بينهما ويحقق من تقارب أيديولوجي في الحكم. فما يفضح علاقة التوأمة في التفكير والتطبيق السياسي بتمثل في الفلسفة التي تعتمد نشر البروباغاندا والأنباء الكاذبة. فالرئيس الروسي بوتين يبرر غزوه بعدم التزام كييف بمعاهدة أو ميثاق مينسك وقائد الانقلاب السوداني يعطل المواد الحيوية في الوثيقة الدستورية باسم خرق (أربعة طويلة) كما يسمى الانقلابيون أحزاب المحاصصة التي شكلت الحكومة الثانية في المرحلة الانتقالية.
بوتين يتهم الأوكرانيين بأنهم من يقصفون مدينتهم والإعلام الانقلابي يتهم الثوار والثائرات وأحيانا الحزب الشيوعي وحزب البعث بقتل النظاميين. كلا النظامين يقاتل لأجل الحصول على أمن وظيفي يسمح له بالمزيد من نهب الثروات، وتنمية محفظته، وتكديس حسابات منسوبيه، وعدم المساس بما تمت سرقته قبلا. غير أن كل ما سيرتبط من خسارات مادية ومعنوية بسلطة موسكو سيكون له ذات الأثر على حكومة الخرطوم التي تعرض بأبخس الأثمان على الأولى رهن أجزاء من أراضيها وثرواتها مقابل مساعدات مالية ترجوها من موسكو المريضة حاليا بحربها والمرشحة للمزيد من الضغوط الاقتصادية حتى في حالة استيلائها على أوكرانيا وانتصارها على حكومتها. ما يحدث في الحالتين يفتح فرصا إذا ما أحسن استخدامها لصالح القوى الوطنية الديمقراطية فإنه سيفتح الباب واسعا لتلك القوى للتقدم ونيل غاياتها من التغيير الديمقراطي الملح والضروري والمطلوب لريادة مستقبل وطني ديمقراطي منتج ومفيد بروسيا والسودان معا.