في يناير 2019م عندما قدم تجمع المهنيين مسودة ( إعلان الحرية و التغيير) ودعا كل القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني المؤمنة بقضية التحول الديمقراطي للتوقيع عليها و تحمل المسؤولية، كان ينظر لمستقبل التحول الديمقراطي الذي يفرض مشاركة أكبر قطاع اجتماعي من خلال مكوناته السياسية و المدنية الأخرى. و بعد المساومة السياسية مع المجلس العسكري التي جاءت ب ( الوثيقة الدستورية) أيضا كانت النظرة أن يحدث التوافق الذي يفضي للاستقرار لكي يتجه الجميع لعملية التنمية و البناء. التي كانت تتطلب أولا تفكيك نظام الحزب الواحد، و كل القوانين التي تسنده. لكن للأسف كانت رؤية البعض خلافا لذلك، حيث أتجه النظر للعمل من أجل الاستحواذ على السلطة لأكبر فترة زمنية ممكنة، و اشتداد الصراع بين القوى السياسية، أدى لخروج البعض من قوى الحرية و التغيير. و كان متوقعا أن يحدث الصراع بين المدنيين و العسكر بسبب السلطة، الأمر الذي أدي إلي الانقلاب العسكري. و حتى الآن لا تريد القوى السياسية أن تفيق من حلم السلطة. حتى تستطيع أن تجمع أكبر قاعدة أجتماعية مؤيدة للعملية الديمقراطية.
أن الخلاف بين القوى السياسية لا يساعد على الخروج من الأزمة السياسية، و هي ترفض حتى الحوار بينها لكي تصل إلي اتفاق سياسي يحترم من قبل الجميع، و تعقيد المشكلة تحدث عنها حتى رئيس البعثة الأممية فوكلر في تقريره الموجز في لقائه مع القوى السياسية و المدنية و المجتمعية في البلاد. و أكد أن الحل يأتي من السودانيين أنفسهم حيث قال “هذا التقرير يخيب أمل البعض والذين كانوا يتوقعون أن تقدم الأمم المتحدة الحل النهائي للأزمة لكن الحل يأتي من السودانيين أنفسهم” و أضاف قائلا ” أن البعثة لا علاقة لها بالآراء ووجهات النظر المختلفة ولكنها ستساعد على الدخول في المرحلة الثانية من العملية السياسية” فوكلر يبني رؤيته على الحوار بين السودانيين أنفسهم لكي يصلوا إلي أتفاق، تكون الأمم المتحدة مشرفة عليه، و ضامنة له في ذات الوقت، خاصة أن القوى السياسية رغم وجود الجماهير في الشارع دائما تسأل عن ضمانات.
لكن الملاحظ : و من قراءة الساحة السياسية؛ هناك طريقان لا يلتقيان، الأول طريق يرفع شعار الاءات الثلاث، الذي يرفض أي حوار بين القوى السياسية، إلا وفق شروط وضعها للحوار، أن تقدم القوى المدنية التي كانت حاكمة في فترة الثلاث سنوات تقييما للفترة، و أن تأتي للحوار فرادة و ليس كتحالف، و أخرى سارت مع الشعار بهدف أن يكون لها مدخلا للحوار مع لجان المقاومة، و هي تريد إبعاد كامل للعسكر من المشهد السياسي، و يجب على العسكر تسليمها السلطة باعتبارها تمثل قوى الثورة. و الطريق الثاني منقسم إلي اثنين ألأول يؤكد على الحوار السياسي و حتى التفاوض مع العسكروفق شروط تعديل الوثيقة دستورية و أن لا يتدخل العسكر مطلقا في عمل السلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء) و تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. و الشق الثاني لا يرفض الحوار لكن أن يطالب بالرجوع للفترة الانتقالية ما قبل الانقلاب حتى تكون هناك حاضنة سياسية هي التي تشرف اشرافا كاملا على الفترة الانتقالية، و أيضا هي غير رافضة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. كيف تلتقي هذه الطرق في مسار واحد؟ الحوار و التفاوض هما الطريقان من أجل ذلك. لكن كيف تقنع الآخرين أن شعار الاءات الثلاث يجب تجاوزه؟
لكن نجد أن المجتمع الدولي يسير في طريق الحوار بين السودانيين للوصول لاتفاق وطني، خاصة الدول الغربية و أمريكا، حيث يعتقدان أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلي اتفاق وطني يفضي لعملية التحول الديمقراطي. حيث أصدرت مجموعة أصدقاء السودان الأسبوع الماضي، بيانا قالت فيه إن المشاورات الأولية التي رعتها البعثة الأممية المتكاملة في السودان، “تشجع لحل الأزمة السياسية في البلاد”. و قالت المجموعة؛ و هي تعلق علي التقرير الموجز للبعثة الأممية عن نتائج مشاوراتها “المشاركة النشطة لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة السودانيين في المشاورات ، بما في ذلك النساء والشباب والمجموعات والمناطق الأخرى، تمثل علامة قوية ومشجعة على التزام الجهات الفاعلة لحل الأزمة السياسية وتمهيد الطريق أمام سودان ديمقراطي ومسالم”. و في ذات أتجاه سارت دول أصدقاء السودان حيث “حث الاتحاد الأوروبي، على ضرورة إجراء حوار بين الأطراف السودانية يفضى إلى تشكيل حكومة انتقالية يقودها مدنيون.” و أوضحت أنيتي ويبر ممثلة الاتحاد الأوروربي للقرن الأفريقي، في تصريح صحفي، عقب لقاء الفريق أول البرهان “إنها أجرت” حواراً مثمراً ومشجعاً مع رئيس مجلس السيادة، تم خلاله التوافق على المبادئ العامة للحوار بين الأطراف السودانية، وضرورة تسريع وتيرته، على أن يفضي إلى توافق، تشكل بموجبه حكومة يقودها المدنيون، وإجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية” فالمجتمع الدولي يشجع عملية الحوار بين الفرقاء السودانيين. فالسؤال كيف إقناع المجموعة المتمسكة بالاءات الثلاث و التي لا تريد الحوار و لكنها تريد أن تستلم السلطة من العسكر أن الحوار هو الطريق للحل؟
أن تسليم السلطة لقوى سياسية واحدة دون الآخرين، أو تسليمها لتحالف دون المجموعات الأخرى سوف يجعل البلاد تسير في ذات الطريق الذي كانت قد سارت فيه من قبل، و أن القوى السياسية كان من المتوقع أن تتفق على كيفية انجاز مهام الفترة الانتقالية و تترك صراع السلطة للفترة التي تليه، لكن البعض يعتقد أن الفترة الانتقالية التي لا تستند لشرعية انتخابية هي الأمل الذي يسمح لهم بالمشاركة في السلطة، فالانتخابات لها ظروفها الخاصة التي تعتمد على القدرة المجتمعية في الشارع. لكن عملية التحول الديمقراطي هي الضمانة للاستقرار السياسي و الاجتماعي في البلاد و يسمح للأحزاب العمل بحرية كبير وسط الجماهير. فهل تسطيع القوى السياسية أن تعي دروس التاريخ. نأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com