وضح جليا أن إنقلاب ٢٥ أكتوبر كان هروبا من مواجهة العدالة، وكان محاولة لاعادة المساومة بين برهان وحميدتى مع إرادة التغيير، من أجل أن تسلم رقابهم من الجرائم التى ارتكبوها في لحظات ضعف وبقرارات بليدة ومتعجلة. وثبت تماما أن الإنقلاب لا يملك أى مشروع للدولة، ولا أى برنامج للحكم، ويمارس سلطته بالبلطجة وبعناد أعمى، وعنصرية عارية، وجهوية بليدة، وعنجهية جاهلة، وبعمالة وارتهان للاجنى تصل درجة الخيانة الوطنية، ووفق ردة واضحة عن مبادئ ثورة ديسمبر العظيمة، التى شارك فيها كل أهل السودان، في كل قواهم السياسية والمدنية والمهنية والثورية. وكان مهر الثورة دموع وجروح وقروح ودماء ودمار وتشريد وأرواح طاهرة ذكية صعدت إلى السماء.
كان دور القوى النظامية بالقوات المسلحة والدعم السريع والأمن، التجاوب مع إرادة الشارع. أى أن الإرادة الأساسية التى قهرت الكيزان وهزت اياديهم حتى سقط السلاح منها، كانت هي إرادة الشعب السودانى المدنى بالشوارع وليس القوى المسلحة ولا حتى الحركات المسلحة هذا للتاريخ.
نعم كان للقوي النظامية دور وللحركات الثورية دور هو الأقل من بين قطاعات الشعب التى شاركت بالثورة، إلا ان هذه الأدوار كانت مكملة، ولم تكن سابقة لارادة الجماهير في الشوارع، وربما جاء دور القوات النظامية مجبورا، بعد أن تأكد سقوط النظام، ولو أن حميدتى والبرهان كانا واثقين من نجاح خيار الانقلاب في وجود الشارع الذي كان يغلى، لما ترددا في الانفراد بالسلطة منذ لحظة عزل بن عوف.
ولا يمكن قبول ادعاء حميدتى وبرهان المكرر إنهم هم من أتوا بالتغيير ولولاهم لما تحقق، هذا حديث مطلق وليس أكثر من متاجرة رخيصة وإدعاء لا يشبة نقاء الثورة وما بذل فيها من تضحيات..
وعموما فإن حروب الادعاءات الكثيرة في المشهد الوطنى، بإمتلاك صكوك غفران الثورة، وبناء على ذلك أن للمدعى الحق في فرض رؤياه، وليس على جميع من بالوطن الا التنفيذ، قد أضر أيما ضرر بهيبة الثورة وبقوة تأثيرها في الداخل، وذهب بجلاءها عند شعوب العالم التي انبهرت بجمال الثورة وبحجم ونوع المشاركات التى شهدتها.
ولا فرق في هذه الادعات، بين قحت الموؤودة، أو تجمع المهنيين الذى هلك تحت سطوة أجندة الحزب الشيوعى، أو ما يقوله ويفعله حميدتى والبرهان، ولا حتى ما تقوم به الآن لجان المقاومة، والتى تقودها للأسف ذات الإرادة القاصرة والمتعجرفة والمتآمرة على إرادة الثورة وكل الشعب السودانى. هذه الادعاءات دمرت أفضل فرصة توفرت لنهضة السودان، بعيد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، وبكل اسف فان ذات الإرادة الدعائية والإدعائية التى تسوق لجان المقاومة الان وبلا وعى منها ستنتهى بها الي حيث حتفها..
الثورات الناجحة في العالم وعبر التاريخ تقودها إرادة جامعة ومتكاملة من حيث مشاركة كل قطاعات الشعوب فيها. لم يشهد التاريخ ثورة نجحت بفعل منفرد لقطاع واحد من الشعب. الانقلابات فقط هي التى تنجح بفعل قوى باطشة يتولاها قطاع واحد مسلح أو متمرد يقهر إرادة الجميع. وكما أن لتسيير دواليب الدول شروط تختلف عن شروط نجاح الثورات، فإن لكل من الثورة والدولة قادتها ومناهجها. ولن تنهض أى أمة في الارض إلا وفق رؤي جامعة وارادة شاملة وقيادة نزيهة ومواثيق تحترم الجميع وينهض بتجرد في تنفيذها الجميع..