راجت في الأيام القليلة الماضية اخبار عن تسوية سياسية يعود على اثرها الدكتور عبدالله حمدوك مرة اخرى لرئاسة الوزراء او لمجلس السيادة، ان صحت هذه الرواية او كذبت، فان عودة الدكتور حمدوك في ظل تسوية سياسية كالتي حدثت في ٢١/نوفمبر/٢٠٢١ حين وقع حمدوك اتفاقا مع الانقلابيين، سيكون مصيرها الفشل ولا شيء سواه.
اكبر كارثة في تاريخ حمدوك السياسي هو توقيعه اتفاق ٢١ نوفمبر مع الانقلابيين، هذا التوقيع هبط بحمدوك من نجم سياسي ثوري إلى شخص مرتبك، ملتبسة عليه المواقف، لا يميز بين رفض الانقلابات الحازم وبين تقديم نفسه طوفا لنجاة الانقلابيين.
منذ لحظة توقيعه على اتفاق ٢١ نوفمبر خرج حمدوك عبر الباب الواسع من قلوب وعقول الشباب الثائر السوداني، ولا أرى اي فرصة حقيقية للرجل في المستقبل في إعادة امتلاك قلوب واحترام هذه الفئة، وهي الفئة التي تحرك الشارع الان وتحافظ على جذوة الثورة.
هذه الحقائق اعلاه تستبطن معنى مهم جدا افرزته ثورة ديسمبر وهو ( ان هذه الثورة اكبر من الأفراد مهما علا شأنهم) وأن الميزان الذي توزن به القيادات السياسية في الفترة الحالية وربما لفترة ليست قصيرة في المستقبل، هو قرب او بعد هذه القيادات من نبض الشارع.
نبض الشارع الثوري وقف ضد الانقلاب العسكري، وايما شخص سوداني عاقل ويملك رشدا سياسيا، يعلم أن موقف الشارع هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب ان يقفه كل شخص يريد أن يرى هذا الوطن في المستقبل حرا وسيدا، التنازلات كالتي قدمها حمدوك، والمواقف الرمادية إزاء الانقلاب ومواجهته التي تظهر من بعض القيادات السياسية لن تخدم مستقبل السودان الديمقراطي، وتصب مباشرة في إعادة هذا الوطن لقيود الشمولية واغلال الدكتاتورية.
الطريق الوحيد لعودة حمدوك هو ان يعود في ظل تسوية سياسية يكون مهندسها الأساس هو شباب لجان المقاومة، ولا بأس أن يقدمه احد أطراف التسوية من أصحاب المواقف الرمادية وزيرا للمالية او الاستثمار او التجارة.
افرزت الثورة في احدي محطاتها رئيسا للوزراء اسمه حمدوك، وهو شخصية لم يسمع بها الكثيرون في الوسط السياسي قبل الثورة، ولا تملك رصيدا نضاليا معروفا في الاوساط المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية في السودان، صنعت منه الثورة نجما في ذلك الوقت، الان وقد هوى هذا النجم، فان الثورة قادرة مرة اخرى على تصعيد نجم جديد، فهذه الثورة ( ولادة)، ستنجب في كل منعطف قائد جديد، وكل ابناء السودان مشاريع قادة عظام في ظل ثورة ديسمبر.
قدرة الأمة على صناعة القادة بشكل متكرر، وعدم ارتهانها لقادة دائمين لا يتخلون عن القيادة الا بالموت، هو احد الشروط المهمة في عملية صناعة أمة رائدة ومتجددة.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com