الثابت في راهن حرب روسيا على اوكرانيا ان النفط الروسي قد بدا في ارباك حسابات التحالف السياسي الاميركي الاوروبي لمقاطعة المنتجات الروسية وفرض عقوبات اقتصادية عليها. ويكمن السبب في عدم جاهزية مصمم السوق العالمي الحالي لفقدان ليس فقط النفط الروسي ولكن الغاز والفحم الحجري لها كذلك. أكثر من هذا فقد انقسم الحلفاء بعدم استجابة الغرب الاوروبي للمقترح الاميركي الذي ذهب الى حيز التنفيذ في سياساتها الجديدة تجاه المنتجات الروسية والتي أعلنها الرئيس الاميركي بايدن في خطاب معلن يوم الامس. الواقعة تكشف ان الغطاء النظري لفكرة ومفهوم المقاطعة الاقتصادية يختزن الكثير من الثقوب وعدم الدقة في التصويب، وان اسلوب المقاطعة المفضل اميركيا والمستخدم على نماذج عديدة لديها في العقود الاخيرة لم يفشل فقط في نموذج كالسودان الذي ذهبت تحايلات سياسته ابان حكم الانقاذ للبحث عن بدائل غير شرعية وفتح الباب واسعا لوسطاء وتجار الازمات من دول وشركات وشخصيات اقتصادية مشبوهة لتقديم خدماتهم والتحايل على المقاطعة.
ان اسلوب المقاطعة يجد الان، وفي حالة اشهاره على روسيا الاتحادية صعوبة تطبيقه بسبب تخلخل المنتجات الروسية في البنية التحتية للأسواق العالمية وان الاثر المتوقع من ذلك غالبا ما سيهدد وجود تلك الأسواق ويطلق صافرة انهياراتها مما سيخلق واقعا اقتصاديا عالميا موحشا ويحول الحرب من فعل فيزيائي مباشر لبلد تجاه اخر الى الحرب كحاضنة لرمزيات حرب اقتصادية عالمية تنذر بشرور كثيفة وقادم اوضاع اقتصادية مخيفة لن يسلم منها بلد او أحد. هكذا تؤكد تبعات ما يجري من حرب جارية حاليا من روسيا على اوكرانيا فتكشف عن المزيد من لا عدالة النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، وتعمق فرضية ان المصالح التجارية والمالية بين دوله وأنظمته متداخلة بحيث تصبح عائقا امام بسط افكار وتطبيقات الاخلاق الديمقراطية السياسية التي تظهر على المحك بانها ليست اكثر من مفاهيم سياسية لا تتعدى حد البلاغة السياسية والجاذبيات الشكلية المفتقدة لمحتوى حقيقي ملزم لتحقيق عدالة كونية مشتهاة من الجميع، ولكنهم عاجزون في الواقع على تحقيقها والنيل من الاستبداد الساحق والكامن اصلا في عقر دار المنظومة العالمية للإدارة والحكم.
أسوأ ما في الحرب على مطلقها انها لا تستهدف الانظمة السياسية فقط ولكن الانظمة الاقتصادية والاجتماعية بالعمل على تدميرها وتقتيل السكان بمختلف الاعمار ومحوهم من الوجود، ما يوضح ان الحرب والكراهية صنوان؟ وأنها ليست للتحرير او استعادة الحق كما تقول ادبيات المعتديين في غالب مبرراتهم بقدر ماهي تعبير اصيل عن العنصرية او التعنصر للجنس والقومية بتواز مع انكار حق الاخر في الحياة. هكذا حدثتنا سلاسل الحروب الاهلية عبر التاريخ والحاضر بأوروبا وافريقيا والشرق الاوسط وهو ما تؤكد عليه حاليا الحرب الروسية على اوكرانيا عندما تستهدف الاستيلاء على مخازن الغذاء والمخزون الاستراتيجي، وتهدم المباني على رؤوس الكبار والصغار، وتحرص الجنود لاستباحة البنوك، والمحلات التجارية، والملكيات الزراعية بتصوير ان الغاية من القتال الظفر بالغنائم. اما في ملف حقوق الانسان فالحرب تتحول الى سوق للنخاسة احيانا واصطياد النساء كسبايا، والاتجار في البشر واستغلالهم على أبشع الطرق وبأوسع الانتهاكات. نزعة الحرب تظل منظومة ثقافية كامنة في خبايا الوعي البشري تنتظر فقط من يوقظها ويطلق صافرة البداية لها لبدء التوحش، وهذا هو دور ووظيفة الانظمة التوليتارية والكليبوتوقراطية بصفة خاصة وحصرية.
wagdik@yahoo.com