ضاق الأمر علي الجميع حكومة و شعباً و إقليماً و مجتمعاً دولياً، و كله بسبب قِصَر نظرٍ العسكريين ، و نتيجة حتمية لسوء توجيه معنوي و تاريخي لمؤسستنا العسكرية التي رسخ في ذهن أفرادها منذ بُعيد الإستقلال أنهم الوحيدون الجديرون بإحتكار صفة الوطنية ، و أنهم الأولون و الآخرون في أحقية حكم السودان ، و إخضاع أهله لديكتاتوريات تعاقبت و لم تجني منها البلاد سوى الوَبَال و التقدم إلى الخلف بخطوات ظلت تتعاظم و تتعمق مع كل وباء عسكري جديد يحل علي أرض و سماء هذا الوطن الجميل.
حدث و لا يزال يحدث كل ذلك إلى أن وصلت بنا الحقارة أن يصبح مَن إدَّعى ربوبية الفور رئيساً ، و أن يَضْحَى مَن تَخَرَّج من بؤرة الهمبتة حاكماً بأمره ، و مُتحَكِّماً مطلقاً في سلطة و ثروة البلاد ، و ولياً عاماً للدولة يوزع خيراتها علي مَن يشاء دولياً و إقليمياً ، بل و حتى محلياً تحت رايات الإدارات الأهلية المغتصبة، و البيوتات الصوفية التي يُفترض أن لا يكون الحُكم و عَرَض الدنيا من بين إهتماماتها القريبة أو البعيدة..
لكنه السودان الذي حتى في ثورته العظيمة الحالية لم يخرج من هذه الدوَّامة فأنبت لنا ظاهرة لجان المقاومة و أحاطها بكوابح أو سياجات كَبَّلَت حركتها، و أعاقت ، و لا تزال تعيق ، مسيرتها الثورية ، و تعطِّل الأمة السودانية ككل من بلوغ أهدافها ، و تَلَمُّس الطريق إلى فجرها المرجو الجديد .
أولى تلك الكوابح هي نكران جيل المقاومة لوطنية و أدوار الأجيال السابقة في محاولة مستميتة لشيطنة أجيال الإستقلال، و لإنكار بطولات أجيال ثورتي أكتوبر و أبريل ..و لقد لامهم كثيرون علي ذلك ، كما خاطبتهم شخصياً في هذا الشأن عبر الميديا المتاحة قائلا في رسالة أبوية:
{ أنتم تملكون الحاضر بجدارة و بسالة، و أنتم قادرون علي التنظيم و علي التخطيط المتقن لمستقبل وطن نعتز كلنا بالإنتماء إليه، و نفتخر و نحتفي بتاريخه الحضاري الذي لا يزال يدهش الباحثين..سيروا في طريق الثورة بعون الله و حفظه ، و لا شك أنكم ستصلون إلى ما تبتغون ، و ستحققون لوطنكم ما تحلمون.. لكنكم من وجهة نظر أبوية تحتاجون وقفة مع النفس لمراجعة قوائم الرفض التي تمتلئ بها جوانحكم، من أجل أن تمسحوا صفحات كَرَاهية غير مبررة وُضِعَت بخبث في طريق بعثكم الثوري المجيد..
ليتكم تبدأوا بأن لا تَبخَسُوا للأجيال السابقة أشياءَهم. فلقد عاشت تلك الأجيال ظروفاً لم تعيشوها ، و تحكَّمت في حركاتهم و توجهاتهم مُحَدِّدَات لا قِبَل لكم بها في وقتكم الحالي . و رغماً عن تلك الظروف و المُحَدِّدَات كان لتلك الأجيال كَسْبُها السياسي و الوطني الذي يجب أن لا يجد منكم إنكاراً أو تنكراً لأنه مسجَّل في تاريخ أمتنا ، و يأتي علي رأسه ما يشهد به عَلَم الإستقلال ثلاثي الألوان الذي جاء معلناً عن إزاحة حكم إستعماري بغيض ، و مبشراً بميلاد أول دولة أفريقية مستقلة جنوبي الصحراء. و توالى لتلك الأجيال كسبها النضالي دفاعاً متكرراً و مستميتاً عن الديمقراطية و الحكم المدني مما تشهد به سجون نواقيشوط و شالا و سواكن و كوبر و الابيض و كسلا و غيرها ، و تسجله معتقلات موقف شندي و قلاع الأمن في الخرطوم و أمدرمان و عطبرة و مدني ،مثالاً لا حصراً، و بيوت أشباح كريهة هنا و هناك شهدت ما لا عين رأت و لا أذن سمعت من صنوف القتل و التعذيب و الإذلال..
و بجانب هذا و ذاك فإن لتلك الأجيال كسب آخر تَمَثَّل في صمود خرافي لحركة تشريد وظيفي و تهجير ليس له مثيل في التاريخ، بقيت آثاره الجسدية و النفسية في كل زوايا المجتمع، و تمثلت في تشتت غير مسبوق لأبناء و بنات شرفاء و أسر شريفة ظلت تعج بهم الدروب في كل أركان الارض، و ابتلعت بعضهم البحار و المحيطات و الصحاري..
إنه كسب نضالي دفع ثمن بعضه عظماء صعدت أرواحهم الطاهرة في المشانق و الدِروات و في وادي الحمار و في ودنوباوي و الجزيرة أبا ومعسكر العيلفون، و في ربوع دار فور و جنوبي كردفان و النيل الأزرق، في بورتسودان و الشمالية و نهر النيل و في جنوبنا الذي ذهب مبكياً عليه بعد أن روت أرضه دماء أجيال من العسكريين و المدنيين دفاعاً عن وحدة وطنية نشدوها ، كما سالت دماء عسكريين آخرين قدموا أرواحهم في الحرب العالمية الثانية مساهمة في تمهيد الطريق ليكسب السودان حريته و إستقلاله.
إن بناء الأوطان عمل تراكمي للأجيال المتلاحقة و المتجايلة تتحكم فيه ظروف متباينة و يتطلب آليات تختلف بإختلاف تلك الظروف. لهذا ليس من الحكمة أو العدل تبعيضه بشطب بعضه، أو إنكاره ككسب وطني لبعضه الآخر دون تمحيص و فهم عقلاني للظروف المحيطة ،و كمجرد إستجابة آلية غير عقلانية لعمليات غسيل مخ مقصودة تستهدف وضع حواجز وهمية بين جيلكم الثائر و الأجيال السابقة التي لا ينكر عاقل أن لها أخطاء و عيوب تستوجب الإبراز و التحليل علي ضوء الظروف المحيطة آنذاك، لأن معرفة الخطأ هي مكسب في حدِّ ذاته ، ما دمنا نؤمن في تراثنا القومي بأن(العترة بتصلح الدرب) و تفتح العيون لمواضع الخلل ، و لكنها حتماً لا تلغي التاريخ و لا تحاكمه بالإشاعات.
فيا أيها الديسمبريون الأماجد لا تبخسوا الأجيال السابقة أشياءهم ، و لا تنكروا مكاسبهم ، و لا تستهينوا بتجاربهم ، فأنتم جزء من عقد فريد ، و من متوالية زمنية مجيدة تمتد لآلاف السنين ، فلا تجعلوها وليدة شهور ، و منقطعة جذور..ذلك جرم لا يليق بالثوار بناة السودان الجديد ، حملة رايات ثورة ديسمبر المجيدة ،أحفاد ترهاقا و بعنخي و الكنداكات و المهدي و الميرغني و علي دينار و المك نمر و الازهري و المحجوب و عبدالخالق و قرنق و فاطمة و السارة و بلقيس…إنكم أبناء و بنات وطن عظيم ممتد تاريخاً و كسباً وطنياً، فلا تُقَزِّمُوه ، و لا تنكروا لأجياله المتعاقبة كسبها، مع الإحتفاظ بحقكم كاملا لنقدها ،ففي ذلك سبيل لتجلية الرؤى و تصحيح المسار و القفز بثقة نحو وطن جديد تستحقونه بجدارة . تذكروا دائماً أن الأمم لا تُبنَى بالجحود ،و الهدم، و النكران غير العقلاني لكافةجهود آخرين سابقين أو متجايلين، فلكل جيل كسبه و موقعه في تاريخ أمته .}
لكن لا يزال ذلك النداء دون صدى ، و لا يزال الشباب و حتى بعد خروج الآباء و الأمهات خلف راية ( كلنا معكم ) يظنون في دواخلهم و يتعاملون في سلوكياتهم و كأنهم جسم مُنْبَتٌ لا جذور له !!!
ثم جانب سلبي آخر يُعيق المسيرة و يُعَطِّل بلوغ الهدف و يضعف زخم ( كلنا معكم ) ، و هو فشل لجان المقاومة حتى الآن في تكوين تنظيمٍ مُوَحَّدٍ يجمعهم و يُوَحِّد رؤاهم و حركتهم.. لقد بَحَّت أصوات المشفقين داعية و مُشَجِّعة علي الوحدة التنظيمية و الفكرية للجان المقاومة التي انتشرت في كل ربوع البلاد كجزر منعزلة عن بعضها البعض حتى في داخل الولاية أو المدينة الواحدة كالخرطوم مثالاً لا حصراً . و انعكس ذلك ليس في ما نرى من تضارب و تنافس ميداني و حراك شعبي ، بل حتى في ما صدر من أدبيات ، و ما امتلأت به الساحة من مواثيق مدينية أو ولائية كان الأجدر و الأوفق أن تصدر عن جسم قومي موحَّد ، فاضت الصحف و الأسافير بالدعوة إليه، و تشجيع الشباب للسير في إتجاهه ، دون أن تجد تلك الدعوات آذانا صاغية من المعنيين حتى أصبحت الساحة تعج الآن بتكوينات شبابية مناوئة تستغل إسم المقاومة و تعمل تحت مظلة و حماية الإنقلابيين لهدم معبد الثورة علي رؤوس الأشهاد.
و علي الرغم من كل ما يبدو من تراخي ذاتي من لجان المقاومة في توحيد أنفسهم ، و في طي صفحة إستعدائهم للتنظيمات الحزبية و المجتمعية ، و إنطلاقاَ من رغبة صادقة و حادبة علي دفع الشباب ليكونوا مِحوَر الحراك المستقبلي المتكامل و المتعافي من ما يحيط به من كراهية غير مبررة للآخر الحزبي الثوري ، فلقد دعوتهم لإلتقاط القفاز و رفع راية القومية بتنظيم (مؤتمر مائدة مستديرة شبابي ثوري) يكون كل أعضائه شباب من أجيال ما بعد أكتوبر و أبريل من الحزبيين و غير الحزبيين الذين أنجزوا ثورة ديسمبر سوياً، ليضعوا في مؤتمرهم الجامع أساساً قوياً لعمل قومي مُوَحَّدٍ و مُوَحِّدٍ ، يؤسس لسودان جديد ، و يسرع بإنهاء ما نحن فيه حالياً من تيه و من ضعف و شتات يكاد يعيد الإنقاذ بحذافيرها ..لقد قَدَّمت تلك الدعوة عبر الأسافير ، كما أودعتها لدى بعض ذوي الشأن المقاومين و كانت في شكل خطوط عريضة جاء فيها :
{ لقد وصل الفِعل و التفعيل الثوري أسوار القصر الجمهوري..إنها مرحلة جديدة تتطلب رؤى جديدة، و قلباً لصفحة سادت خلال الأعوام الثلاثة الماضية و لم تأتي أُوْكُلاً أو تشفي غليلاً .. إننا الآن في بداية مرحلة تستوجب الإستعداد الفكري و المؤسسي لتغيير وشيك لا يجب أن نتركه يضيع أو يتسرب من بين أيادينا و نحن نتعارك أو نتفرج !! أظن أن هناك حاجة لتفكير و تنظيم خارج أُطر الأجهزة و التكوينات القائمة ، مع كامل التقدير لما نجحت في القيام به، و التفهم لما عجزت عن تحقيقه لأسباب موضوعية أو ربما لظروف خارجة عن الإرادة ، لأننا حسب مجريات المد الثوري الماثل، أمامنا مدى ظرف زمني قصير جداً يفصلنا عن إستعادة السلطة المدنية كاملة من براثن العسكر الجاثمين علي صدورنا حالياً دون وجه حق أو سند دستوري، و من أطماع الفلول الذين لا يستحون من نتائج ثلاثينية الدمار و الإغتصاب ، و سرقات الموارد ، و تقزم مساحات الوطن.
إن الأوضاع التي تبدو ملامحها في أفق ليس ببعيد، تتطلب توحيداً عقلانياً جديداً لقوى الثورة ، و تستدعي تحديثاً عملياً لمكوناتها ، و تصوراً مستحدثاً و عاجلاً لميثاق جديد ، و وضعاً لخريطة طريق عملية توضح كيفية و آليات إستلام السلطة و ممارسة الحكم ، لكي لا يحدث فراغ عندما تحين لحظة التغيير التاريخية الوشيكة بإذن الله و أمر الشعب.
و كمساهمة متواضعة في هذا الشأن، أقترح أدناه رؤية أو خطوطاً عريضة ( لمؤتمر مائدة مستديرة ثوري) عاجل، آملاً أن تجد الفكرة تطويراً و تمتيناً مِن الشباب ،أصحاب الوجعة ، الذين ظلوا دون كلل يحملون أرواحهم في أكفهم دفاعاً عن الثورة ، و تطلعاً لغدٍ يحقق طموحاتهم و أحلامهم ، و كذلك من المخضرمين المؤمنين بالثورة ، الذين صقلتهم التجارب ، و يدركون بقبول و وعي تامين أن الثورة جاءت لعصر غيرعصرهم . و الرؤية المطروحة هي علي النحو التالي:-
أولاً:
الهدف الأساس هو خلق روح و تنظيم يتصف بالقومية و الثورية و المرونة الفكرية التي تستند
علي عدم التمترس في الأطر التقليدية، و عدم إحتكار الرأي أو إدِّعَاء ألوصاية علي الأمة.
ثانياً:
أعتقد أن هناك حاجة لتكوين جبهة ثورية متماسكة و قومية التوجه، تستحدث ميثاقاً سياسياً جديداً و تطور وثيقة دستورية بديلة ، كما تضع إطاراً عاماً لمشروع وطني قابل للتنفيذ و محقق لآمال الأمة السودانية.
ثالثاً:
هناك حاجة عاجلة لعقد (مؤتمر مائدة مستديرة) لدراسة الواقع و تأطير المستقبل علي الأسس العامة التالية:-
١- تبادر بالدعوة للمؤتمر (المنسقية القومية للجان المقاومة) بصفتها جسماً قومياً مقبولاً أثبت وجوده الميداني و فعاليته الثورية و التنظيمية.
٢- توفر جامعة الخرطوم ،كمؤسسة قومية، المكان و التسهيلات اللوجستية و التأمين و الضيافة.
٣- يكون كل أعضاء المؤتمر شباب مِن أجيال ما بعد ثورة أكتوبر .
٤- تُقَدَّم دعوة المشاركة لكل التنظيمات السياسية و المجتمعية و المهنية التي وقَّعت بداية أو لاحقاً علي إعلان الحرية و التغيير .
٥- يتم تمثيل كل تنسيقيات المقاومة في العاصمة و الأقاليم.
٦-يُمَثَّل قدامى العسكريين و الشرطة و مفصولي الخدمة المدنية.
٧- يُمَثَّل ثوار الخارج .
رابعاً:
في ما يتعلق برئاسة و نوعية عضوية المؤتمر، أقترح الآتي :-
١- يرأس المؤتمر السيد/ الصادق سمل والد الشهيد عبد الرحمن ، ليس فقط كرمزية ثورية ، بل لشجاعته و إمكاناته الفكرية و التنظيمية ،و لما يُحظَى به من إحترام عام في المجتمع بشكل عام و بين الثوار بشكل خاص.
٢- تكون والدة الشهيد مطر نائبة للرئيس.
٣- ينتخب المؤتمرون مقررة أو مقرر للمؤتمر و يُقِرُّون هيئة سكرتارية مقتدرة.
٤- تكون أعمار كل المشاركين من ممثلي التنظيمات السياسية و المجتمعية دون الخمسين عاماً ، تأكيداً للروح الشبابية للثورة، و ليس جحوداً أو معاداة لأجيال ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ و أبريل ١٩٨٥م الكرماء الأماجد.
٥- يقتصر تمثيل أي تنظيم أو جهة مشاركة علي شخصين فقط و يكونا مفوَّضين كتابة من الجهات أو التنظيمات التي يمثلونها كشرط و كإلتزام مسبق من تلك الجهات بالمخرجات و القرارات التي ستصدر من المؤتمر.
خامساً:
المدى الزمنى المقترح لإنعقاد المؤتمر و إصدار قراراته لا يتجاوز نهاية أبريل ٢٠٢٢ م على أساس أن الكل في حالة جهوزية ثورية ، و أن إنهيار النظام لجد وشيك و يجب أن لا يحدث في فراغ أو في ظل ربكة أو قصور فكري أو تنظيمي.
سادساً:
مطلوب من المؤتمر أن يخرج بالآتي:-
١- إعلان سياسي واضح المعاني و المعالم.
٢-وثيقة دستورية مُحْكَمَة الصياغة و مكتملة الرؤى، خالية من عيوب و إختلالات الوثيقة الحالية ، و تستحق أن تكون قانوناَ أعظم للفترة الإنتقالية لا يخضع للأهواء و المزايدات .
٣-لوائح تنظيمية عامة و خاصة.
٤-خريطة طريق للفترة الإنتقالية واضحة و عملية.
٥-تنظيم إداري ثوري يشمل:-
(أ)جهاز تنفيذي برئاسة محددة ، مقبولة و قادرة ، تنبع من داخل المؤتمر، و أمانة عامة ذات كفاءة إدارية و سياسية ينتخبها المؤتمرون.
(ب)مجلس مركزي قومي مرجعي.
(ج) أمانة عامة للجان الثورية لتنسيق عمل تلك اللجان علي نطاق الوطن .
سابعاً:
الخلاصة:-
أتمنى أن يجد المقترح مَن يطوِّروه أو يقدموا بديلاً أفضل، كما أتمنى أن يزيح المقترح عبء الحاضر المباشر عن كاهل الأحزاب و التنظيمات السياسية و المجتمعية الأخرى التي تحملت المسؤولية ، و لا تزال تتحملها ، لتستجمع أنفاسها ،و لتجد وقتاً أطول لتمتين و تنظيم نفسها ، و لتعبئة جماهيرها إستعداداً لإنتخابات حرة لا بد قادمة، طال الزمن أو قصر.}
هكذا كان النداء و كانت الدعوة و لكن علي الرغم من أن تلك الدعوة قد حظيت بتأييد معتبر و واسع من الحادبين و المشفقين ، إلا أن المقاومين ، وهم المعنيون مباشرة بالأمر، لم يلتقطوا القفاز و استمروا في شتاتهم الحركي و التنظيمي ، بل اخذوا يصدرون آحاداً مواثيق تتشابه في بعض الأطر العامة لكنها مليئة بالثغرات الفكرية و القانونية و التنظيمية و بروح الأنا . ليس هذا فحسب ، بل إن الأكثر رواجاً منها جاء متدثراً بالكثير من روح الإستعلاء و عبارات الإملاء التي تستهدف إبعاد الآخر الثوري كُرهاً أو طوعاً !!!
و بناءً علي كل ذلك ففي إعتقادي أن لجان المقاومة بوضعها المشتت الحالي ، و بمفاهيمها الإقصائية للآخر الثوري ، و بترددها في جمع كل النادي الشبابي الثوري في مائدة مستديرة تؤسس للمستقبل ، فإنها بذلك تُضَيِّع فرصة تاريخية علي البلاد ، و تطيل من عُمر الإنقلاب الحالي ، و من قائمة الشهداء و الجرحى، و مما نشهد من اللادولة و الإنفلات الأمني .. ليس هذا فحسب فربما تُضَيِّع فرصة الإبقاء علي الوطن موحداً و آمناً ، و تصبح عندئذٍ صيحة (كلنا معكم ) غير مجدية لأنكم تضمرون رفضاً لمن هم فعلياً معكم في مركب الثورة و لا يقلون عنكم وطنية و ثورية ، و تتمترسون خلف رؤى تحتاج منكم تقييماً موضوعياً و تقويماً عقلانياً قبل فوات الأوان و ضياع السودان .
و لك الله يا وطني.
بروفيسور
مهدي أمين التوم
15 مارس 2022 م
mahditom1941@yahoo.com