أشعل اغتصاب فتاة سودانية من قبل أفراد من الشرطة السودانية خلال تظاهرات الاثنين 14 مارس (آذار)، بحسب جهات حقوقية وشهود عيان، غضب الشارع السوداني بإعلان تنسيقيات لجان المقاومة تسيير مواكب انطلقت نحو القصر الجمهوري (الرئاسي) بعنوان “ما بكسروك” تضامناً مع الفتاة المغتصبة وتنديداً بالانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية ضد المحتجين.
وما أن وصلت المواكب القادمة من محطة باشدار (مركز التجمع الرئيس) لكل أحياء العاصمة، إلى منطقة شروني التي تبعد بضعة كيلومترات عن القصر الرئاسي، قوبلت بعنف مفرط من قبل قوات الأمن المتمركزة بكثافة عند بداية شارع القصر في وسط الخرطوم (مدخل محطة شروني)، وذلك بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، ما أعاق تقدم المحتجين نحو وجهتهم الرئيسة (القصر الرئاسي)، فضلاً عن حدوث اختناقات وإصابات متفرقة وسط المتظاهرين.
وردد المتظاهرون، وبينهم أعداد غفيرة من النساء، بخاصة الفتيات، هتافات رافضة للحكم العسكري، ومطالبة بعودة السلطة المدنية كاملة، ومن أبرز تلك الهتافات “يا برهان ثكناتك أولى ما في ميليشيا بتحكم دولة”، وحمل المحتجون خلال سيرهم في الموكب الأعلام الوطنية وصور الشهداء الذين سقطوا خلال هذه التظاهرات.
وتتواصل هذه التظاهرات، منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، احتجاجاً على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وتتمثل في فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإلغاء الشراكة مع المكون المدني، ما اعتبرته غالبية القوى السياسية والشعبية انقلاباً عسكرياً، بينما وصفه الجيش بالحركة التصحيحية.
الحصانة المطلقة
وتعليقاً على ما يحدث من انتهاكات جسدية خلال التظاهرات المنتظمة حالياً في البلاد، يقول عضو تجمع المحامين السودانيين الديمقراطيين المعز حضرة، “حادثة الاغتصاب جريمة ترفضها كل القوانين والأعراف، وأصبحت مظهراً من مظاهر انتهاكات حقوق الانسان التي تفشت بعد انقلاب 25 أكتوبر، خصوصاً بعد أن منح رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان جهاز المخابرات سلطات وصلاحيات وحصانات كاملة بموجب أمر طوارئ، تتيح له الاعتقال والتفتيش وغيرها، دون اتخاذ أي إجراءات في مواجهة أفراد القوات النظامية التي تتولى تنفيذ قانون الطوارئ، بالتالي أصبح لدى رجل الأمن الجرأة في ممارسة كل الأعمال المشينة من دون تحفظ، من قتل واغتصاب ونهب”.
ويضيف “ظلت السلطات تنفي قيام القوات الأمنية بمثل هذه الانتهاكات، على الرغم من وجود فيديوهات موثقة لكل ما ارتكب من جرائم بحق المتظاهرين، زاعمة بأن هناك طرفاً ثالثاً وراء هذه الممارسات الوحشية، لكنها تناست أن وجود طرف ثالث هو أيضاً يقع ضمن مسؤولياتها”.
ويوضح حضرة “للأسف هذه الانتهاكات قادت مجلس حقوق الإنسان التابع لمفوضية الأمم المتحدة لتعيين مراقب لها في السودان ممثلاً في أداما ديانغ، الذي زار البلاد في 20 فبراير (شباط) لمدة أربعة أيام لتوثيق ما حدث من انتهاكات وجرائم خلال التظاهرات التي تنظمها لجان المقاومة، مما يعيد هذه الممارسات السودان إلى واجهة البلدان المنتهكة لحقوق الإنسان، فما يحدث اليوم من ترد إنساني وأخلاقي لم نشهده في عهد نظام البشير المعروف عالمياً بوحشيته، فالآن نحن كمحامين نمنع من مقابلة المعتقلين في السجون وأقسام الشرطة”.
وحول حقيقة اغتصاب الفتاة، يجيب عضو تجمع المحامين السودانيين الديمقراطيين، “بحسب معلوماتي المؤكدة أن الحادثة وقعت بالفعل في وسط الخرطوم عند كبري المسلمية، وهناك عدد من المحامين التقوا الضحية التي اعترفت بما جرى لها من اغتصاب بواسطة أفراد يرتدون لباساً عسكرياً، فضلاً عن وجود شهود عيان، لكن للأسف أن السلطات تنفي مثل هذه الأفعال، فحتى الاغتصابات السابقة لم يقدم مرتكبيها للمحاكم بسبب مرسوم الطوارئ الذي منح هؤلاء الأفراد الحصانة المطلقة في ارتكاب كل فعل مشين”.
المسمار الأخير
ودانت عدد من تنسيقيات لجان المقاومة تلك الحادثة، حيث قالت تنسيقية مدينة الخرطوم في بيان لها، “مازالت القوات الانقلابية تمارس عاداتها اللا أخلاقية ضد شعبنا السلمي ونضالاته، فتمادت هذه المليشيات المجرمة في انتهاكاتها الدنيئة والفظيعة والبشعة في طغيانها، نتيجة لعدم ردعها بالقانون من قِبل ما تسمى بالحكومة أو المنظومة العسكرية الحاكمة، فتجاوزت تلك حدودها، وطالت يدها كنداكاتنا الباسلات، إذ تجرأت المليشيات وشرعت باغتصاب الحرائر من بنات شعبنا الجسور وهتكت عرضها”.
وأضاف البيان، “نؤكد بأن جريمة الاغتصاب التي مارستها قوات الانقلابيين لن تسكت حواء السودان، وستكون وبالاً عليهم، والمسمار الأخير في نعش سلطتهم الخربة والمحتلة للبلاد”.
في السياق ذاته، أوضحت تنسيقية لجان مقاومة أحياء بحري، في بيان أن “الحروب لا تخاض في أجساد النساء” رداً على ما قامت به القوات الانقلابية من اغتصاب وانتهاكات ضد الإنسانية.
تكرار الاغتصابات
وسبق أن تكررت حوادث العنف الجسدي التي طالت فتيات مشاركات في المواكب الرافضة للانقلاب العسكري، حيث ذكرت الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أنها تلقت 13 بلاغاً عن عمليات اغتصاب جماعي في أعقاب تفريق اعتصام مواكب 19 ديسمبر في وسط الخرطوم بالقرب من القصر الرئاسي.
ولعبت النساء دوراً رائدا في التظاهرات المندلعة حالياً منذ 25 أكتوبر الماضي، من خلال المشاركة الفاعلة في المواكب، كما في احتجاجات عام 2019 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير.
وتأتي هذه الحادثة بعد أن انتقدت الأمم المتحدة ودول عدة الحملات التي تشنها قوات الأمن لقمع مواكب المتظاهرين باستخدام الرصاص الحي، ما أدى إلى مقتل 87 شخصاً منذ أكتوبر الماضي، وأصيب 133 شخصاً على الأقل في احتجاجات الاثنين منهم 35 أصيبوا بطلقات الخرطوش.