أخطر ما يعيشه الإنسان السوداني اليوم، هو سلبه الحق الطبيعي الإنساني، في يكون “آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ”.
ففي غياب الدولة؛ أمنًا وسلطةً وهيبةً وقانونًا ومؤسسةً، تُرك الحبل على الغارب للمعتدين والسارقين والمغتصبين والمرابين والمهربين يمرحون، كيف شاءوا، سطوًا وسلبًا ونهبًا وقتلًا وإهانة واحتقارًا وتهديدًا وإخافةً وهتكًا للأعراض، مستمدين قوتهم من شوكة السلاح، وجراءتهم من غياب حُراس الأمن وصمت منفذي القانون.
وتلك هي “الحَرابة”، في أفصح تجلياتها، وأقبح ممارساتها.
والحَرابة لغةً هي: قطع الطريق على المارّة اعتداءً وسلبًا تحت تهديد السلاح. ويُسمى مُمارسها المُحارب، لتجريده السّلاح، ظلمًا وعدوانًا، سلبًا للمال أو النفس المعصومة وغيرها.
وفي (المحلى بالآثار: 11/308) يقول الإمام ابن حزم الأندلس الظاهري: “الْمُحَارِبَ: هُوَ الْمُكَابِرُ الْمُخِيفُ لِأَهْلِ الطَّرِيقِ، الْمُفْسِدُ فِي سَبِيلِ الْأَرْضِ، بِسِلَاحٍ أَوْ بغير سِلَاحٍ، لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فِي مِصْرٍ، أَوْ فِي فَلَاةٍ، فِي قَصْرِ الْخَلِيفَةِ، أَوْ في الْجَامِعِ (…). و(هو بهذا) كُلُّ مَنْ حَارَبَ الْمَارَّ، وَأَخَافَ السَّبِيلَ بِقَتْلِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ لِجِرَاحَةٍ، أَوْ لِانْتِهَاكِ فَرْجٍ”.
وفي الاصطلاح فالحرابة محاربة الجماعة، مجاهرةً وغلبةً وظُّلْمًا، بالخروج عليهم، وايقاع الخوف بينهم، وسلب أمنهم. وتستمد الحرابة تعريفها الفقهي وعقوبتها من قوله، سبحانه وتعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} (المائدة:33).
وبحث أغلب الفقهاء (الحَرابة) في كتاب الحدود تحت عنوان “حدّ المحارِب”، وأدرجه بعضهم في كتاب الجهاد، بتصنيف للمحارب ضمن الواجب جهادهم.
ووضع الفقهاء ثلاثة شروط لابد من توفرها لإثبات جريمة الحرابة وهي: تجريد السلاح وتجهيزه، وإخافة الناس وإرعابهم بتجريد السلاح، وتوفّر قصد وإرادة الإفساد في الأرض. وتجريد السلاح في لغة اليوم يعني إشهاره.
والمالكية، ونحن، السودانيين، على فقههم، يذهبون الى أنّ الحَرابة ليست قطع الطريق لأخذ المال فقط، بل يتّسع مفهومها ليشمل مطلق الإخافة، وما تتضمنه من وبث للرعب، وسلب لأمن المجتمع والإخلال به، والتعرض لحياة الأبرياء، عن طريق إشهار السلاح.
فماذا نحن فاعلون؟