أن القوى السياسية السودانية جميعها تحتاج لوقفة تهدف إلي تقييم تجربة الثلاث سنوات الماضية، من خلال منهجا نقديا، و ليس المنهج التبريري الذي اعتادت عليه، لكي تتعرف على الأسباب التي أدت إلي فشل السير في طريق عملية التحول الديمقراطي بالصورة المطلوبة، و أيضا هي في حاجة للنظر مرة أخرى في ترتيب أولوياتها، فالصراع الدائر بينها يؤكد رغبة كل فريق أن يكون له وحده قيادة القوى المدنية، هو صراع صفري ليس له علاقة بالديمقراطية. فالقوى السياسية رغم رفعها جميعا رايات التحول الديمقراطي لكنها جميعا ترفض أن تسمع من بعضها البعض، رغم أن الحوار هو الطريق الأمثل لبناء الثقة بينها. الأمر الذي يجعل الحوار مشروطا حتى لا يعيق طريقها لتسلم السلطة من العسكريين حينما يرغب العسكريين تسليم السلطة.
هذا الوضع السياسي المحتقن المانع للحوار، يتضح من خلال الحديث في المؤتمر الصحفي الذي عقداه كل من رئيس بعثة الأمم المتحدة فوكلر بريتس و ممثل الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لباد، حيث قال مبعوث الإتحاد الأفريقي ولد لباد في المؤتمر “كل المؤشرات تشير إلى أن البلاد في خطر كبير، إذا لم يسارع أبنائها بتحرك سياسي مسؤول بأسرع وقت ممكن” هذا كان تقييم البعثتين الأممية و الإقليمية، لذلك جاءت دعوتهم للقوى السياسية أن تفكر بحكمة ،و بسرعة حتى لا تخسر المكاسب التي حصلت عليها من دعم مالي و إعفاء للديون. لقد مرر المبعوثان الكرة لملعب القوى السياسية، فكيف تستطيع القوى السياسية التعامل مع هذا الواقف المحتقن؟ هل من خلال إعلاء المصالح الحزبية على الوطنية أم تجعل الوطن و حياة المواطنين و معاشهم يأخذ الأولوية؟ إذا كانت القوى السياسية قد استطاعت أن ترتب أولوياتها بالصورة التي تخدم قضية التحول الديمقراطي، كانت تكون البلاد في أفضل حالا، لإنهم كانوا تخلصوا من الصراع الدائر بينهم، و وجدوا طريقا للحوار الهادف بينهم. و هناك بعض القيادات التي تبنت المنهج التبريري تقول؛ أن العسكر كان سببا في ذلك، و إذا كان العسكر السبب الرئيس لماذا صبروا ثلاث سنوات دون تبليغ الجماهير بذلك؟ أن الخطأ يتحمله المدنيين و العسكر على السوا.
و في المؤتمر؛ يذكر المبعوثان القوى السياسية بالتوافق الوطني استعدادا للمرحلة القادمة، حيث يقولان في ذلك “يجب على الفاعلين السياسيين ضرورة التحرك وإبراز تراضي وطني يعيد السودان إلى الشرعية الدستورية ويوقف الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في 25 أكتوبر الماضي” هذا الذي يوجد في جعبة الوساطة الإقليمية و الأممية، هل هناك خيارا بديلا أخر عند القوى السياسية تطرحه من أجل أن تكتمل دائرة الحوار الوطني؟ أم هناك قوى لا تريد الحوار و لها حسابات مغايرة؟ خاصة أن الأزمة كل يوم تتعمق أكثر، و لابد للقوى السياسية أن تكون لها رؤية مغايرة عن سابقاتها التي أثبتت الفشل. و يجب عليها أن تفكر خارج الصندوق، متجاوزة تقديراتها السابقة. لابد من تغيير الافتراضات السابقة لقراءة الظاهرة السياسية لكي تعطي نتيجة مغايرة، لكن للأسف أن العقل السياسي السوداني منذ الاستقلال حتى اليوم يفكر بطريقة واحدة، و يقدم ذات الافتراضات التي يريد أن تحدث له تغييرا و تعطيه نفس النتيجة مخالفة، هذا يدل أن السياسي السوداني لا يريد أن يشتغل بالذهن، بل لديه تصورات مغلقة يعتقد أنه قادر على تنفيذها دون أن يفصح عنها، يعتقد أن الأخرين ليس لهم الحق طرح هذا السؤال.
في معرض الحديث في المؤتمر؛ يقدم المبعوثان مقترحا مبطنا كبداية للدخول في حوار، عندما يقولان “الاتفاق على الوثيقة الدستورية تم من جميع الأطياف السياسية التي شاركت في التفاوض من أقصى اليمين لأقصى اليسار جميعهم لم يتحفظوا على ما جاء فيها ولكن عدم تطبيق بنودها هو شان يخصهم لا دخل لنا به” و هنا المبعوث الإفريقي ولد لبان لا يريد أن يبرئ نفسه من القصور الذي تقول عنه القوى السياسية قد شاب الوثيقة. لكنه يريد أن يؤكد؛ أن كل قوى الحرية و التغيير كانت مشاركة في دراسة الوثيقة، و الموافقة عليها، خاصة هناك بعض القوى تريد أن تحمل قصور الوثيقة لبعض القوى و تبرئ نفسها، لذلك كانت الإشارة ذكية، حتى لا تكون مجالا للمغالطات المتواصلة بين القوى السياسية. و معلوم أن الغرب الديمقراطي عندما يريد أن يبحث عن الأزمة لابد أن يرجع للوثيقة الدستورية، لكي يتأكد من الذي تجاوز نصوصها باعتبارها المرجعية، و العقل السياسي لا يستوعب ذلك لأنه لا يريد الكشف عن اسباب القصور حتى لا تطاله. و هذا العقل السياسي إذا لم يغير طريقة تفكيره، لا يكون لديه الاستعداد أن يحدث تغييرا في المسرح السياسي في البلاد. و لا يستطيع أن يقدم مبادراة ذات أفقا وطنيا،لأنه طواعية أراد أن يغلق عقله قط لتحقيق المصالح الضيقة. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com