كل حملات غزو الرجل الابيض في التاريخ استهدفت افريقيا من أجل الرجال والمعادن، قادة المجتمعات الافريقية كانوا خاضعين للغزاة ويفعلون لهم ما يأمرون.
من الغريب ان مجموع الغزاة الانجليز الذين احتلوا السودان مثلا لم يكونوا يتجاوزون بضعة الاف، بينما كان السودانيون ملايينا من البشر، بل ان الهند التي كان يبلغ عدد سكانها ٢٥٠ مليون شخص في ذلك الوقت كانت مستعمرة وتدار بواسطة ٦٠ الف بريطاني فقط !!
كيف استطاع هذا العدد القليل من الغزاة أن يحكم هذا الكم الهائل من أصحاب البلد الاصليين؟!! الإجابة ليست في القدرة العسكرية للغزاة، وانما في القابلية الذاتية لهؤلاء البشر للاستعمار، القابلية للخضوع.
القابلية للخضوع صفة متأصلة في الأمم الدنيا في ترتيب الحضارة، كلما كان ترتيب الامة متأخرا في سلم التحضر، كلما كانت قابلية أهلها للخضوع أعلى، وهذا ما يفسر خضوع شعوب افريقيا للاستعمار الغربي، ثم من بعد ذلك خضوعها للحكام العسكريين والشموليين.
محمد احمد المهدي استطاع ان يطرد المستعمر شر طردة، رغم انه لم يكن يمتلك أسلحة كما كان لدى المستعمر، ولكنه فعل شيئا واحدا كان يفتقده الشعب السوداني وهو تحرير روح الشعب السوداني من القابلية للخضوع للمستعمر.
أكبر تحديات ثورة ديسمبر انها تحارب صفة متجذرة في الجماهير البسيطة والغافلة وغير المتحضرة هي قابليتها للخضوع للحاكم العسكري الفاسد الباطش.
في بورتسودان قبل ايام، هتف شباب ثوار متحررين من الخضوع ضد حميدتي مطالبين بدولة الشعب وبسقوط حكم الطغاة، فرد عليهم الناظر ترك قائلا ( عسكرية بس).
الناظر ترك اثبت انه شخص لا مانع لديه من الخضوع والخنوع للحاكم الباطش، الناظر ترك يمثل امتدادا لجيل الخنوع الأفريقي الذي استباح في عهده الرجل الابيض افريقيا، وفي وجوده ستظل افريقيا باستمرار في ظلام الجهل ونير الحكم العسكري.
تحرير ترك وامثاله من صفة القابلية للخضوع، هو هدف رئيسي لثورة ديسمبر، وهو شرط رئيسي لانتماء الأمة السودانية مستقبلا للأمم العليا في ترتيب الحضارة.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com