يحاجج الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون بأن القابلية للتحضر والتقدم تنشأ من الخلق (بضم الخاء واللام) التي تتمتع بها الامم وليس من الذكاء او التعليم.
هو يعتقد ان الذكاء والتعليم مشاعان لجميع الناس ويمكن اكتسابهما لدى جميع البشر في جميع الامم وفي كل الاوقات، ولكن الخلق التي تتصف بها أمة دون غيرها، هي الطبعة الخاصة بها التي تميزها عن بقية الامم، وهي التي تحدد درجة تقدم هذه الأمة او تأخرها.
الخلق التي تتمتع بها الأمة الأوربية والتي جعلتها في مقدمة العالم هي ليست ذاتها الخلق المتوفرة لدى الاسبويين، ولا تلك التي لدى الأفارقة، هكذا يعتقد لوبون، ولهذا يصنف الامم إلى عليا، وسطى ودنيا.
يمتاز الاوربيون حسب لوبون، بالنشاط والعناد لتحقيق الاهداف، وهي صفة منطبعة واصيلة في نفوسهم، جاءت إليهم عبر الوراثة عبر قرون وقرون من الاجداد والاباء، ولم يكتسبوها بالتعليم او الذكاء، هذه الخلق وغيرها هي التي جعلت الأمة الأوربية أمة عليا.
تأخر الأمة الافريقية بين ركب الامم ناتج عن وجود خلق متوارثة عبر الاجيال تبدو معاكسة او غير مشابهة لما تحمله جينات الاوربيين، هكذا يفترض لوبون، مما جعله يصنف الأفارقة كأمة دنيا.
بغض النظر عن صحة او عدم صحة التوصيف الفلسفي للأمم الذي ذكره لوبون، إلا أن الواقع الراهن يثبت ان اوربا في درجة متقدمة جدا علي افريقيا.
أزمة انحطاط افريقيا وتقدم الغرب، ظلت محل سؤال مستمر في اذهان الجميع، وهو سؤال مؤرق ومتعب، اذ كيف تفشل أمة كاملة كالافارقة في ابداع حضارة متقدمة كالتي في اوربا؟
هذا السؤال يمكن تصغيره للبحث عن أزمة انحطاط السودان كدولة افريقية في ظل تقدم دولة اوربية مثل اسبانيا
لماذا يتأخر السودان؟
لماذا أمتنا في مؤخرة الامم المتقدمة؟
ما السبب وراء ذلك؟
هذه الأسئلة بالتأكيد جالت بخاطر كل سوداني، وارقت الكثيرين، وحاول الكثيرون الإجابة عليها سواء من منظور سياسي او اجتماعي او اقتصادي او ثقافي او الخ.
الخلق التي يتحدث عنها غوستاف لوبون لكي تكتسبها الأمة تحتاج لوقت طويل، تحتاج لأدوات تمكن الجماهير من تغيير طبيعتها ومشاعرها وجيناتها الموروثة بالفطرة وصناعة طبعة مختلفة من الشعوب.
ثورة ديسمبر هي احدي هذه الأدوات التي يمكن أن تغير في خلق الامة السودانية، هي ليست فرصة لتغيير نظام الحكم فقط، وانما هي فرصة لتغيير طبعة الأمة وجيناتها، وصناعة أمة سودانية قادرة على صناعة التقدم.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com