أحكمت لجان المقاومة قبضتها على العاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية بشكل قوي ومهيب، تجلى ذلك في الصورة الواضحة لشوارع الخرطوم التي وقفت فيها المتاريس ليس كشواهد لرفض الانقلاب العسكري وسيطرته الرعناء على الحكم ولكنها كشواهد أيضاً على قبره الذي أعدته له استباقا لإعلان وفاته الذي بات خبراً وشيكاً.
وفي مدينة شمبات وقفت امرأة أربعينية منذ الصباح الباكر في حراسة الترس بقوة ودخلت في مشاجرة مع كل الذين حاولوا كسره لتبرهن ان المرأة السودانية هي شريك أصيل مع الرجل في حماية الثورة ومكتسباتها والحرص على مطالبها وتحقيق اهدافها وظلت صامدة لم تنحني أبداً الا عندما تريد ان ترفع (حجراً) أكبر من الذي قبله لتزيد الترس علواً وشموخاً، فكانت مدينة بحري من أكثر المدن التي نجحت في عملية التتريس ففي شارع المعونة بين كل ترس والآخر وقف ترس في المنتصف وحتى الشوارع الداخلية والفرعية، وقُرب المسافة بين المتاريس لها معاني ودلالات قد لا يعلهمها البعض من الناس
ولم تكن أمدرمان والخرطوم الا مدناً صامدة تنافس بعضها عبرت أيضاً عن رفضها التام للانقلاب بعملية التتريس وكان الثوار أكثر وعياً في كثير من المواقف عندما سمحوا لعدد من الحالات الانسانية والمرضية بالعبور.
ونجاح المتاريس يؤكده ظهور بعض الاصوات النشاذ التي تطفو على سطح السوشيال ميديا لتحاول اقناعنا ان قيمة الوقت والزمن أهم من قيمة الروح التي حرمها الله وحلل قتلها الانقلاب ، فالثورة التي تقوم بالتترييس هي التي قدمت أكثر من ٨٠ شهيداً وآلاف المصابين ، فنفس مؤمنة لايستفزها القتل، ويغضبها اغلاق الشارع يجب ان تتحسس ايمانها وأخلاقها، وكل ما يتعلق بصدق مايسكن اغوارها ودواخلها، فأين كانت هذه الاصوات عندما غطت الدماء الاسفلت وصرخت أمهات الشهداء وجعة وحرقة ونصبت خيام العزاء في عشرات البيوت السودانية أين كان ضميرهم المرهف والحساس ولماذا عجزت هذه الاصوات عن كتابة عبارة واحدة تشجب بها قرارات البرهان او تدين قتل الشباب المسالمين العُزل ولكنه زمن الاعوجاج والميل الذي يناصر الناس فيه الظالم من اجل ان يعيشوا فقط.
فبربكم ان وقف التتريس غداً ما الذي سيحدث ويتغير في حال البلاد أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لن يشل التتريس حياة ومعاش الناس ان كانت هي في الاساس حياة بهذا البؤس والخراب.
اما قادة الانقلاب الذين يراقبون الوضع من عيون الكاميرات او من شرفة القصر ،يختنقون الآن رغم العوازل التي تحول بينهم وبين دخان الإطارات ، فنقص الاوكسجين أحياناً تكون أسبابه فقر الدم السياسي ومتلازمة ضيق التنفس الحادة من الحصار الذي يفرضه الشعب على الحكومة، والربو بسبب عمليات الفشل المتكرر، والعيوب الخَلقية السياسية لتركيبة الشخصية الحاكمة، والإصابة بانتفاخ الرئة الناتج عن الإمتلاء بهواء الغرور والعناد رغم الفشل والإصابة بمتلازمة توقف التنفس أثناء النوم بسبب هواجس الزوال، كل هذا يسبب نقص الاوكسجين الذي يؤدي الى نقص وظائف القلب والدماغ التي تعني الموت المحقق للانقلاب.
ولن تفتر المتاريس ولن تمل حتى يفتر ويمل قادة الانقلاب وان القادم سيكون أكثر خطورة على النظام الحاكم المُفلس و(المفلس).
وحسب المصادر الشرطية ان الشرطة تعاني الآن من عجز كبير في الميزانية المخصصة لفض المظاهرات والتي تتراوح مابين ١٥ الى ١٧ مليار جنيه لكل موكب، وان واحدة من الفصائل الشرطية والتي تتألف من اكثر من ٣٠ جندياً تم تهديدها بالفصل ، لأن أفرادها رفضوا النزول الى الشارع لتفريق الموكب ماقبل الأخير بسبب عدم دفع الحافز الذي لا يتجاوز ٥٠٠ جنيه للفرد.
لهذا فإن الذي يعتقد ان المتاريس لم تحقق شيئا فهو واهم فقيمة الترس ودلالته ومعانيه وتأثيره أكبر من ضياع ساعات الوقت ،وثمة معاناة في السلطة ووجع أكبر يغلفونه بحجة ضياع الوقت الجوفاء .
طيف أخير
نحن ننظر الى الشارع الثوري كلما حاصرناً الأسى.
الجريدة