إسماعيل محمد علي
بدا واضحاً في ظل تداعيات الأحداث التي يشهدها السودان حالياً أن تحالفاً وتنسيقاً قائماً بين المكون العسكري برئاسة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان والحركات المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية، مما أثار كثيراً من الجدل، بخاصة بعد قرارات 25 أكتوبر (تشرين الأول)، التي تم بموجبها إعلان حال الطوارئ في البلاد، فكيف ينظر المراقبون إلى هذا التحالف وأثره في الوضع السياسي الراهن، وهل كان سبباً في تأزمه، وما القاسم المشترك الذي جمع الطرفين، وما مستقبله؟
اتفاقات جانبية
ويقول نائب رئيس هيئة الأركان المتحدث الرسمي الأسبق للقوات المسلحة السودانية الفريق ركن محمد بشير سليمان، “يتبين في ضوء التحالف الذي تم بين الحركات المسلحة والمكون العسكري عقب اتفاق جوبا للسلام التي وقعت مطلع أكتوبر 2020، أن هذه الاتفاق بكل أبعادها وأهدافها لم تكن ذات بعد وطني أو قومي يعضد ما قامت به ثورة ديسمبر (كانون الأول)، فكان من المفترض أن تأتي هذه الاتفاق بعد انعقاد مؤتمر جامع لكل أهل السودان يمثلون مؤسساته السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، وأن يخرجوا برؤية وطنية موحدة للسلام تعزز الوحدة الوطنية من دون أي تأثيرات سياسية أو مصالح حزبية، لكن المؤسف أن ما حدث كان مخالفاً للتوجهات القومية وكرس لسياسة التكسب وليس لبناء الدولة السودانية التي تسع كل أبناء الوطن من دون إقصاء”.
وأضاف، “في نظري أن اتفاق السلام شابه كثير من القصور والأخطاء، لأن دافعها كان سياسياً بالدرجة الأولى، إلى سعت إلى تحقيق المكاسب السلطوية، وقد أخطأ المكون العسكري بالسير في هذا المسار ومجاراته المكاسب السياسية، إذ كان يجب عليه إسناد القضايا ذات الطابع العسكري مثل الترتيبات الأمنية إلى لجان فنية ذات دراية ومعرفة بأبعادها ومفاصلها، لكنه ذهب بنفسه وجلس مع الحركات المسلحة في مائدة المفاوضات، لذلك ظهر تأثير البعد السياسي في الاتفاق من خلال استيعاب بعض أعضاء وقادة هذه الحركات في الجهازين السيادي والتنفيذي، مما يؤكد أنه كانت هناك اتفاقات جانبية وتحالفات بين المكون العسكري والحركات المسلحة قامت على أساسها مرحلة ما بعد اتفاق السلام، بمعنى أن الاتفاق بني على المحاصصات السياسية بعيداً من المسار القومي”.
تناغم وانسجام
وتابع سليمان، “ما حدث قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر يؤكد أن هناك تناغماً وتنسيقاً بين المكون العسكري والحركات المسلحة، فاعتصام القصر الجمهوري وفضه لم يكن عفوياً، بل كان مخططاً له بين الطرفين، فضلاً عن أن استمرار وزراء الحركات وعضويتهم في مجلس السيادة في مناصبهم بعد الانقلاب دلالة على أن هناك وحدة هدف ورؤية مشتركة بينهما، كما أن الحركات هي الجهة الوحيدة التي أيدت الانقلاب ولم ترفضه كبقية مكونات المجتمع السوداني”.
واستطرد، “هذا التحالف وضع القوات المسلحة محل اتهام بأنها تمارس نشاطاً سياسياً، فضلاً عن أنه خلق حال من السيولة الأمنية والصراع السياسي الحاد الذي قد يعرض البلاد إلى أخطار محدقة ومصير مجهول، بالنظر إلى شعارات اللاءات الثلاث التي يرفعها المحتجون في التظاهرات (لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية)، فما يشهده الوضع السوداني الراهن من تعقيدات في شتى الجوانب هو أحد مخرجات انقلاب البرهان، والحركات المسلحة جزء منه، وقد أدت الحال الانسجامية بين الطرفين (المكون العسكري والحركات المسلحة) إلى مزيد من التجزئة داخل المكون السوداني، والممانعة في قبول الآخر، وصراع بين جسمين حول السلطة تحول إلى استقطاب داخلي وخارجي، مما يمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي”.
ولفت نائب رئيس هيئة الأركان والمتحدث الرسمي الأسبق للقوات المسلحة السودانية إلى أن “السودان أصبح الآن في ظل هذا التشظي كأنه في حال اللادولة، وبالتالي فلا بد من الخروج من هذا المأزق بإحداث توافق وطني حقيقي تتحدد فيه أهداف الدولة، وصولاً إلى تشكيل حكومة مستقلة من دون أي تلاق سياسي أو حزبي، أو تنسيق وتعاون بين القوات المسلحة وحركات الكفاح المسلح، إلا في الإطار الوطني، مما يعضد ويؤمن الفترة الانتقالية التي يجب أن تنتهي بانتخابات حرة نزيهة”.
صفقة تحت الطاولة
بدوره، يشير الكاتب السوداني الجميل الفاضل إلى أنه “وفق المؤشرات الظاهرة فإن ما تم في اتفاق جوبا للسلام كان بمثابة صفقة بين الحركات المسلحة والمكون العسكري، وقد كشف جانباً من هذه الصفقة رئيس حركة تحرير السودان حاكم دارفور أركو مني مناوي، خلال أحد مؤتمراته الصحافية، وأكد أنهم كحركات أبرموا اتفاقين في جوبا، أحدهما رسمي فوق الطاولة والآخر تحت الطاولة مع العسكريين في شكل تحالف قائم على تبادل المصالح، مضمونه وقوف الحركات بجانب العسكريين بعدم المساس بالشركات الأمنية، وعدم تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين وعدم تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، في مقابل مكاسب مالية ونصيب مقدر في السلطة والثروة”.
واستطرد الفاضل، “في الحقيقة أن الحركات المسلحة أدركت بعد الإطاحة بنظام البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، أنها ستفقد الدعومات الدولية التي تمثل الشريان الرئيس لتغذية وتوفير حاجاتها ومواردها، فضلاً عما حدث من تغييرات إقليمية تحول دون ارتزاقها من الحرب، لذلك فكر قادتها في التحالف مع العسكريين، وهو ما ظهر جلياً خلال اعتصام القصر الجمهوري، إذ تكشفت الحقيقة من خلال التواطؤ من جانب المكون العسكري مع المعتصمين في هذا الموقع الاستراتيجي والحساس من دون مساءلة أو منع إقامته”.
وأضاف الكاتب السوداني، “فكرة هذا التحالف بشكل أساس كانت قائمة على اقتسام الغنائم واستباحة المال العام واقتسام السلطة والثروة، فهذه هي الرؤية الكلية المبنية على اقتسام الكيكة، سواء أكانت مالية أم سلطوية، لكن بعد ظهور الآثار الاقتصادية الناجمة عن انقلاب 25 أكتوبر، الذي على إثره توقفت المساعدات الخارجية وساءت الأوضاع لدرجة لا توصف حالياً من التردي والانهيار، بدأ المشهد يرتبك عند بعض قادة الحركات، فاتجه عدد منهم للاعتذار للشعب السوداني عن مواقفهم الغير مشرفة، بخاصة بعد الاتهامات التي وجهت لقوات الحركات بمشاركتها في أعمال النهب والسطو التي تشهدها العاصمة الخرطوم هذه الأيام، ووقوفهم بجانب الانقلاب”.
هيمنة السلطة
في سياق آخر، يقول القيادي في الجبهة الثورية السودانية حذيفة محيى الدين البلول إن “التحالفات في الساحة السياسية بعد عزل البشير كان أساسها شركاء الفترة الانتقالية من أحزاب قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بموجب الوثيقة الدستورية التي وقعها الطرفان في أغسطس (آب) 2019، وتقاسما في ظل هذا التحالف السلطة والمناصب وتحكما في القرار السياسي بمعزل عن قوى الكفاح المسلح”.
وزاد البلول، “بعد تشكيل مجلسي السيادة والوزراء تم تكوين وفد من مجلس السيادة للتفاوض مع أطراف العملية السلمية (الحركات المسلحة) وتواصلت الجهود حتى الوصول لتوقيع اتفاق جوبا للسلام في الثالث من أكتوبر 2020، وظلت هذه الحركات بمثابة كتلة ثالثة في السلطة خلال الفترة الانتقالية الماضية بجانب الشريكين، إذ يجمعها مع هذين الشريكين (العسكريين والمدنيين) الالتزام بتنفيذ اتفاق جوبا باعتباره ميثاقاً دولياً تتمسك به وتعمل ليلاً ونهاراً حتى يرى النور من خلال بنوده المعلنة”.
وأشار إلى أن ما يثار بأن هناك تحالفاً بين الحركات والعسكريين خارج إطار اتفاق جوبا محط افتراء، فالحركات تشارك الآن في السلطة قبل أو بعد قرارات 25 أكتوبر بموجب اتفاق جوبا، وليس لها علاقة بما يدور من صراع بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، كما أنها لم تصنع 25 أكتوبر، وإنما دعمت الخطوات التصحيحية ودعت إلى التغيير بعد الفوضى التي خلقتها قوى الحرية والتغيير في البلاد، وسعت بطريقة مباشرة إلى الانفراد بالسلطة والهيمنة الكاملة على مفاصل الدولة السودانية، ورفضت كل محاولات التفاوض والتحاور حتى المبادرات التي أطلقها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.
وأضاف القيادي في الجبهة الثورية السودانية أن الحركات تكرس كل جهدها من أجل تنفيذ اتفاق جوبا، باعتباره الطريق الصحيح نحو الديمقراطية التي ينشدها الجميع ومن أجلها اندلعت ثورة ديسمبر، لكن إذا تنصلت السلطة الحالية وفشلت في تنفيذ بنود هذه الاتفاق فوقتها سيكون لكل حادثة حديث، مؤكداً التزام الحركات بالعملية الانتخابية التي يجب أن تكون قبل نهاية الفترة الانتقالية، وهي مرتبطة بتنفيذ اتفاق السلام، ومن دون تنفيذه يصعب الوصول إلى الانتخابات لأنها عملية متكاملة لا تنفصل عناصرها عن بعضها.