ما هي حقائق الوضع العسكري في الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا بعد غزو القوات الروسية أراضيها؟ هل تسير العمليات العسكرية حسب خطة موسكو كما تزعم، أمْ أنّ الجيش الروسي يواجه مصاعِب كبيرة، بل لمْ يحقّق ما كان يهدف إليه، بحسب تصريح حديث لوزير الدفاع البريطاني تنبأ فيه أيضاً بأنّ القوات الغازية لن تستطِعْ حتّى مُستقبلاً تحقيق أيّ من أهدافها في أوكرانيا؟ فهل تصدِق تنبؤاته أمْ تجعله التطورات القادِمة يبتلِع لِسانه؟
الجدير بالذِكر أنّ وزير الدفاع البريطاني بن والاس كان قد رسم صورة للتكتيكات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وصفتها وسائل الإعلام المحلية بـ “القاتِمة”، وقال بعد أسبوعين من بدء الحرب في أوكرانيا إنّ الفوضى تطغى على الاجتياح الروسي، على الرغم من العدد الهائل للقوات المدفوع بها إلى أوكرانيا، مُشيراً إلى أنّ بعضها يفتقِر الخِبرة في مواجهة مقاومة أكثر من المتوقع من جانب الأوكرانيين، وأضاف بن والاس أنّ الرئيس بوتين سيواجه سنوات من الصراع مع الأوكرانيين حتى لو تمكّن من احتلال الأراضي الأوكرانية، وتابع “اجتياح بلد ما بقوةٍ هائلةٍ أمر، وإخضاع 44 مليون شخص لا يريدونك أمر مُختلف تماماً”؛ وحتْماً لا يختلف أحد مع فقرة بن والاس الأخيرة، ولا يشُكّ أي مراقب في أنّها تحصل على تأييد مُجْمع عليه.
الشاهد إنّ التدفُق الغزير للمعلومات والتصريحات المليئة بالأرقام من الجانب الأوكراني والدول التي تسنده، يدفع مرّات للتشكيكِ في صحتها للمُبالغة الواضحة فيها، أو أخذها كأخبارٍ لا ريب تترك أثرها عند المتلقين، ولكن ما يثير البلبلة أكثر هو أنْ تُبْنى عليها تحليلات وقراءات، مستعجلة كانت أمْ بعد تروٍ وتمحيصٍ. وفي المُقابِل، يبدو التعامُل مُختلِفاً مع هدوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان حربه بوزارة الدفاع، ووزير خارجيته سيرجي لافروف صاحب القسمات الحادة التي يصعب تفسيرها وقراءة ما تخفيه.
فأيُّهما أقرب للحقيقة أو التضليل؟ المعلومات المبثوثة دون انقِطاع عن فشل الغزو الروسي وتصاعد المقاومة الأوكرانية ونجاحها، أمْ صور القصف والدمار الذي تشهده المدن الأوكرانية التي تبثها قنوات خبرية تكاد تكون موالية لأوكرانيا، على خلفية شُحّ المعلومات التي تخرج من الكرملين ووزارة الدفاع حول ما أسمتها روسيا “العملية العسكرية الخاصة” في تدليل لغزو دولة جارتها؟
يبدو أنّ التضليل الإعلامي في بثِّ الأخبارِ والتلاعب بالمعلومات والأرقام بين كييف وموسكو يسير في الاتجاهين، من وإلى. يأتي من كييف أو موسكو ليذهب من واحدة منهما إلى الأخرى ويعود لها فتصدقها وتبني عليها المواقف، والخُلاصة هي ليس هنالك من يفهم الأوكرانيين أكثر من الروس والعكس صحيح.
ولذلك، دعونا نأخذ الأمرين، من هنا وهناك، فعِندما تقول كييف أنّ قتلى الطرف الروسي 14000 جندي، وهو الغازي الذي يقصف وتحيط آلياته بالعديد من المدن الأوكرانية وتشهد على ذلك الصور الثابِتة والمُتحرِّكة، يصبح بالتالي من الصعوبة بمكان تصديق ذلك الرقم لأنّ ذات الرسالة بمعلوماتها تلك، تقول أنّ المقاومة الأوكرانية تصيد عشرات، بل قُلْ مئات، الدبابات والمُدرّعات التي تحمل الواحدة منها عدداً محدوداً من الجنودِ، ولم تطلق أوكرانيا رصاصة واحدة، دعك من قذيفة أو صاروخ، داخل أراضي روسيا الاتحادية. فكيف وأين قَتلوا 14000 جندي، وفي أي معركة غير اصطياد الدبابات بقنابل الملتوف وأخيراً بالمُسيِّرات والصواريخ الخفيفة المحمولة على الأكتاف؟
ولحين أنْ يحدّثنا الكرملين عما يجري تداوله من أرقام ومعلومات حول خسائره، دعونا نميل وننحاز للمعلومات التي تفيد بأنّ القوات الروسية تواجه بالفعل الكثير من المتاعب في عملياتها ومهامها بأوكرانيا، فكيف حدث ذلك، وماهي الخلفية التي يمكن أنْ تؤكد، أو على الأقل تدعم ذلك؟
ولتوفير إجابات مقبولة ومهضومة، ليس هنالك أفضل من تجميع معلومات ووضعها تحت مِجْهر قراءة بعض الخُبراء، لتكتمل الصورة نوعاً ما حتّى وإنْ صارت اللوحة سريالية أو فقط اسود وابيض، في انتظار أنْ تأخُذ لاحِقاً بقية الألوان الطبيعية وتصبح بالفعل مُعبٍّرة عن الأحداث والتطورات ومسارات الحرب اللعينة. أي لتشرح، وفي نفس الوقت تفضح!
وعليه استعين بتقرير من صحيفة (جورنالول ناتسيونال) الرومانية كتبه شيربان مياهيلا، نقلاً عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وقد جاء فيه أنّ لروسيا الاتحادية واحد من أكبر وأقوى الجيوش في العالم، بيد أنّ هذا الأمر لم تثبته عملياً المرحلة الأولى من غزو أوكرانيا، وقد فوجئ العديد من المُحللين العسكريين الغربيين بإخفاقات القوات الروسية المتسلسِلة حتى الآن في ساحات المعارك ووصفوا نتائجها بأنّها “كارثية”. ويبدو أنّ هجوم بوتين العسكري أصبح إلى حَدٍّ كبير مُحاصراً في الأراضي الأوكرانية بدلاً من أنْ يحاصِر المُدن، وتتساءل المزيد من الأصوات عمّا إذا كان بإمكانِ الوحدات العسكرية الروسية التعافي من الخسائر التي تكبدتها.
قبل أيام قليلة، قال مسؤول كبير في الناتو “من الواضح أنّ الروس لم يحققوا أهدافهم وعلى الأرجح لنْ يحققوها في وقت قريب جداً”. وبعد مقابلات مع القادة العسكريين الغربيين ومسؤولي المخابرات الغربية، أجرت (بي بي سي) تحليلاً للأخطاء التي ارتكبها الروس، والتي أعاقت الهجوم الذي خطّط له الكرملين، بحسب زعمها. فما هي، وهل تؤخذ على عِلّاتها؟
سلسِلة من الافتراضات الخاطئة:
كان الخطأ الأول الذي ارتكبته روسيا، في تقدير الخبراء العسكريين وضباط المخابرات، هو التقليل من قُدرة القوات المسلحة الأوكرانية على الصمود والقُدرة القتالية وهي الأصغر منها بكثير عدداً وتسليحاً، عِلماً بأنّ ميزانية الدفاع السنوية لروسيا تبلغ أكثر من 60 مليار دولار، مُقارنة بإنفاق أوكرانيا الذي يزيد قليلاً عن 4 مليار دولار.
في الوقت نفسه، يبدو أنّ روسيا بالغت في تقدير قواتها العسكرية، وشرع الرئيس فلاديمير بوتين في برنامجٍ طموح لتحديث جيشه، ومن المُحتمل جِدّاً أنّه وثق أيضاً في مُبالغاته.
وقال مسؤول بريطاني كبير لبي بي سي إنّ الكثير من أموال روسيا أنْفِقت على ترسانتها النووية الضخمة وغيرها من التجارُب العسكرية، والتي تضمّنت تطوير أسلحة جديدة، مثل الصواريخ التي تفوق سُرعة الصوت.
ويُعْتقَد أنّ روسيا قامت ببناء الدبابة الأكثر تقدُّماً في العالم (T -14 Army) وعلى الرغم من أنّها شوهدت في استعراض يوم النصر بموسكو في الساحة الحمراء، إلّا أنّها غابت عن المعارك حتى الآن. ومعُظم ما أرسلته روسيا إلى الميدان هو دبابات T-72 القديمة وناقلات الجِنود المُدرّعة والمدفعية وقاذِفات الصواريخ.
وعلقت هيئة الإذاعة البريطانية أيضاً على أنّه في بداية الغزو، كان لروسيا مِيزة واضِحة في المجال الجوي، حيث كانت الطائرات المقاتلة تتحرّك بالقُربِ من الحدود متجاوزة القوات الجوية الأوكرانية بأكثر من ثلاثة إلى واحد. وافترض مُعظم المحللين العسكريين أنّ القوة الغازية ستكسب تفوّقاً سريعاً في الجو، غير أنّه لمْ يحدُث ذلك في كل الحالات، فالدفاع الجوي الأوكراني لا زال مُسْتَمِرّاً في فعاليته، مِمّا يحِدّ من قدرة روسيا على المُناورة. وفي الوقت نفسه، من المُحتمل جِدّاً أنْ تكون موسكو قد افترضت أنّ قواتها الخاصة ستلعب دوراً حاسِماً، مِمّا يساهم في توجيه ضربة سريعة إلى الأوكرانيين، تكون قاضية.
ونقلت (بي بي سي) عن مسؤول مخابرات غربي كبير، بأنّ روسيا كانت تعتقِد في إمكانياتها لنشر وحدات خفيفة في موقع رأس الحربة، مثل “Spetanatz – سبيتناتز” ومظليين “VDV” للقضاء على عدد صغير من المدافعين، وهذا من شأنه أنْ يحِلّ جميع المشاكل التي سيواجهونها. غير أنّه في الأيام الأولى، تم صد هجومهم بطائرات الهليكوبتر على مطار هوستوميل الواقع خارج كييف، مِمّا ترك روسيا بدون جسر جوي لجلِب القوات والمعدات والإمدادات، فاضْطّر الروس إلى نقل إمداداتهم، عن طريق البر، وأدى ذلك إلى اختناقات في حركتها ونقاط تفتيش لطوابير من المَرْكِبات العسكرية، والتي أصبحت أهدافاً سهلة للكمائن التي نظّمتها القوات الأوكرانية. وإضافة لذلك انحرفت بعض الدروع الثقيلة عن الطريق وتوقفت ولم تتحرّك، الأمر الذي عزّز صورة الجيش الذي دخل في الوحْلِ، بالمعنى الحرفي والمجازي.
وفي غضون ذلك، لم يتمكّن الصف الطويل من المَرْكِبات المُدرّعة الروسية القادمة من الشمال، والذي التقطته صور الأقمار الصناعية، من تطويق العاصمة كييف، وقد جاء أهم تقدُّم للجيش الروسي من الجنوب، حيث تمكّنت روسيا من استِخدام خطوط السكك الحديدية لإعادة إمداد قواتها.
وتلخيصاً لذلك المشهد قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس لهيئة الإذاعة البريطانية إنّ قوات بوتين “فقدت زخمها”، وأضاف “لقد تم صدّهم ببطء ولكن بثبات ويسجلون خسائراً كبيرة”.
خسائر وتدني في الروح المعنوية:
جمعت روسيا قوة قوامها حوالي 190 ألف جندي للغزو، والقت بمعظمهم بالفعل في المعركة، ونقلت (بي بي سي) عن مصادر عسكرية أوكرانية أنّ الروس فقدوا حتى الآن حوالي 10% من قوتهم. والحقيقة هي أنّه لا توجد أرقام دقيقة عن حجم الخسائر الروسية أو الأوكرانية، وتزعم كييف أنها قتلت أكثر من 14000 جندي روسي، بينما تُقدِّر الولايات المتحدة الخسائر بنصف العدد. وفي ظنِّ مراقبين محايدين أنّ الرقمين فيهما ما فيهما من مبالغة لخسائر جيش غازي خلال اقل من شهرٍ واحدٍ.
ويقول مسؤولون غربيون إنّ هناك أيضاً أدلة كثيرة على تراجع الروح المعنوية بين الجنود الروس. واعترف جندي وقع أسيراً، بأنها كانت “منخفضة جِدّاً جِدّاً جِدّاً”، واعترف آخر بأنّ القوات كانت “ترجِف من البردِ القارص ومُرهقة وتتضوّر جوعاً” لأنهم انتظروا في الحدود وفي بيلاروسيا لفترة طويلة قبل أن تصدر إليهم أوامر غزو أوكرانيا. ولا ريب أنّ أخذ تلك الأقوال هو عين ما يُعرف بالحرب النفسية لدحر الروح المعنوية للخصم، خلافاً عن أنّ نشرها فيه انتهاك لحقوق أسير الحرب.
وتكشف معلومات من ذات الجهات، أنّ روسيا اضْطّرت بالفعل إلى إدخال المزيد من القوات لتعويض الخسائر، بما في ذلك عن طريق نقل وحدات الاحتياط من مناطق نائية شرق روسيا وكذلك من أرمينيا. ويقول المسؤولون الغربيون أيضاً “من المُحتمل جِدّاً أنْ تنضم القوات الروسية في سوريا إلى القتال قريباً، إلى جانب مرتزقة من مجموعة فاغنر السرية”. ويزعم مسؤول عسكري كبير في الناتو أن هذه علامة على “الوصول إلى قاع المُخلاية”.
التجهيزات واللوجستيات:
لاحظت هيئة الإذاعة البريطانية في تقريرها أن روسيا عانت حتى الآن من قضايا أساسية تتعلق بالحملات القتالية. فهناك قول عسكري قديم مفاده أنّ الهواة يتحدّثون عن التكتيكات، بينما يدْرُس المُحترِفون اللوجستيّات. وهناك عدد من العناصر التي تثبت أنّ روسيا لمْ تولي اهتِماماً كافياً لهذه القضية، فقد نفد الوقود والغذاء والذخيرة من صفوف المُدرّعات التي دخلت الأراضي الأوكرانية، وتعطّلت السيارات وتُرِكت لتقوم بجرها الجرارات الأوكرانية.
ويعتقد مسؤولون غربيون أيضاً أنّ ذخيرة روسيا قد تنفُد، مشيرين إلى أنّ الروس أطلقوا بالفعل ما بين 850 و900 ذخيرة بعيدة المدى، بما في ذلك صواريخ كروز، والتي يصعُب استبدالها كما الأسلحة غير الموجهة.
وبالمُقابل كان هناك تدفُّقاً مُسْتَمِرّاً من الأسلحة لأوكرانيا من الغرب، مِمّا رفع الروح المعنوية في كييف. وأعلن البيت الأبيض للتو أنّه سيُقدِّم 800 مليون دولار إضافية لدعم الدفاع عن أوكرانيا، بالإضافة إلى العديد من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، وستشمِل المُساعدة أيضاً”Switchblade” ، وهي طائرة أمريكية صغيرة مُسيّرة من طراز “كاميكازي” يمكن حملها في حقيبة ظَهر قبل إطلاقها لتفجير عبوة ناسِفة صغيرة على الأهداف الأرضية. وكشفت بعض المعلومات أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أدخلت لأوكرانيا أسلحة روسية الصُنع كانت قد حصلت عليها بصفقات سِرّية.
ومع ذلك، يحذر المسؤولون الغربيون من أنّ روسيا لا تزال لديها القوة الكافية لقصفِ المُدن الأوكرانية، وأن بوتين سيأمُر بشنِّ هجمات مُكثّفة. وبرأيهم أنّ فُرص الجيش الأوكراني أفضل مِمّا كانت عليه في بداية الحرب، إلّا أنّها لا تزال غير مواتية لأوكرانيا.
دعونا، إذن، نأخذ تقرير البي بي سي الذي استعرضناه ونضعه تحت مِجْهَر حقائق ثابتة ودامغة حتى تتضح لنا حقيقة معالم الصورة.
مَن هُم، وكيف استعدوا لإذلالِ الجيش الروسي؟
بعد أكثر من أربعة أسابيع على غزو أوكرانيا، يبدو أنّ القوات التي أرسلتها موسكو تجمّدت وتخشّبت في أداء مهمتها، والتقدُّم على الأرض ضئيل للغاية. ولمْ يعُد سِرّاً أنّ القافلة الروسية المُروِّعة، التي يبلغ طولها عشرات الكيلومترات، والتي يقال أنّه انقطع بها السبيل شمال غرب كييف، مُجرَّد واحدة من حالات عديدة للاستراتيجية العسكرية الكارثية التي نفذها جنرالات الجيش الروسي. فهل دمّرت قوات العمليات الخاصة الأوكرانية القوات الروسية الغازية، أمْ ماذا حدث ويحدُث في ارض المعركة الواسعة التي أصبحت تشمِل تقريباً كل أراضي أوكرانيا وليس شرقها فحسب؟
يقول مُحلِّلون إنّ القوات الخاصة الأوكرانية تبرُز كعنصر رئيسي في استراتيجية حكومة كييف لتقويض الغزو الروسي بزيادة الخسائر البشرية والمادية من خلال مزيج من تكتيكات حرب العصابات والمُرونة والهجوم المُضاد. ويُذكر أنّ قرار أوكرانيا إنشاء قيادة العمليات الخاصة (سوكوم – SOCOM) كفرع مُنْفَصِل للخدمة في أواخر عام 2015، جاء بعد سلسِلة من الإخفاقات العسكرية في منطقة دونباس جنوب شرق البلاد، حيث استغلّ الانفصاليون المدعومون من روسيا أوجه القِصور الهيكلية وعدم استِعداد الجيش الأوكراني وسيطروا على أجزاءٍ كبيرةٍ من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك وقد أُعلنت كل منهما نفسها “جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية – DPR و LPR” في ربيع عام 2014.
تدريب وأسلحة غربية:
مُجرّد إنشاء قيادة العمليات الخاصة الأمريكية (سوكوم) لمْ يكُنْ ليأتي بنتائجٍ تكتيكيةٍ عظيمةٍ لولا تمتُّعها بالدعمِ الغربي. وعلى وجه التحديد، من بين المستفيدين الرئيسيين من الدعمِ العسكري الغربي، كانت قيادة العمليات الخاصة الأوكرانية التي تضُم حوالي 2000 جندي منتشرين في سبْعِ وحدات عمليات خاصة مُقسّمة بين الجيش والبحرية. وشارك الأوكرانيون الذين يديرون ويشرفون على قوات العمليات الخاصة بانتظام في التدريبات العسكرية لحلف الناتو، بما في ذلك جميع الإصدارات الأخيرة من تمرين العزم المُشترك وخطط التدريب الثنائية ومتعددة الجنسيات التي تشارك فيها دول الناتو والدول الشريكة غير الأعضاء في الحِلف.
الثابت أنّه تم تدريب جنود القوات المسلحة الأوكرانية في قوات العمليات الخاصة بمركز التدريب العسكري (لفوف) الذي قصفه مؤخراً الروس ويقع على بعد 25 كلم من الحدود مع بولندا، ودرّبهم معلمون من الولايات المتحدة وكندا وعدة دول أوروبية. وجرى إرشادهم وتدريبهم على كيفية استخدام صواريخ (جافلين) الشهيرة أو الطائرات الانتحارية بدون طيارSwitchblades، وهي أسلحة مخيفة وسريعة ويصعب التعامل معها. ويقول رئيس مركز التحليل والدراسات الأمنية الفريق احتياطي ألكسندرو جروماز “لدينا مزيج من التدريب الجيد والمُعِدّات المُمْتازة، والتي ثبت أنّها قاتلة للروس”. أدى هذا التعاون المُكثّف إلى تحسين قابلية التشغيل البيني وقدرات قوات العمليات الخاصة الأوكرانية بشكل كبير، وفي عام 2019 أصبحت (سوكوم) أول وحدة مُتحالِفة من خارج الناتو مؤهلة لنشر قواتها تحت مظلة قوّة الرد السريع التابِعة لحلف شمال الأطلسي.
تعلموا “كيف يقتلون الروس”:
علاوة على ذلك، شارك عدد من جنود قوات العمليات الخاصة الأوكرانيين في برنامِج تدريب خاص نظّمته وكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة نفسها. كان من المُفترض أنْ تستمِرّ الدورات عدة أسابيع لكل دورة من “الطلاب” وتتضمّن تعليمات في التعامل مع الأسلحة النارية وتقنيات التمويه والمِلاحة الأرضية وتكتيكات القتال السرية وجمع المعلومات. وقال مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مُطّلِع على البرنامج إنّ “الولايات المتحدة مُنْخَرِطة في تدريب قوات تمرُّد”، مُضيفاً إنّ البرنامِج عَلّمَ الأوكرانيين “كيف يقتلون الروس”. ونتيجة لذلك، أصبحت القوات الخاصة الأوكرانية ناجحة للغاية لدرجة أنّها صدّت القوات الروسية الميكانيكية التي يخدِمها عشرات الآلاف من الجنود الذين حاولوا التقدُّم إلى ضواحي كييف، خاصة في بوكا وإيربين وهوستوميل، مِمّا تسبّب في خسائرٍ فادِحةٍ لهم. ثم انخرط مشغلو القوات الخاصة الأوكرانية في حرب خلف خطوط العدو لمُهاجمة سلاسِل التوريد، بما في ذلك قوافِل الإمداد الروسية والبؤر الاستيطانية، مثل مطار شيرنوبايفيكا Ciornobaivka بالقُرْب من مدينة خيرسون التي احتلتها القوات الروسية.
والخُلاصة، كما جاءت في تقرير عسكري بصحيفة (اديفارول) الرومانية كتبه فالنتين بولوكان، هي أنّ قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، المُدرّبة والمُجهزة من قِبل خبراء غربيين، أصبحت خط الدفاع الرئيسي ضُد العدوان الروسي من خلال مزيج من تكتيكات حرب العصابات والدِفاع المرِن والهجوم المُضاد.
اختم باستعراض التصريحات التي ادلى بها المتحدّث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف أمس الأول الثلاثاء، حيث تحدّث عن خسائر أوكرانيا، وقال “مُنذ بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، تمَّ تدمير 236 طائرة مسيَّرة، و185 نِظاماً صاروخيّاً مُضادّاً للطائرات، و1547 دبّابةً ومَرْكِبة قِتالية مدرَّعة”. وأضاف كوناشينكوف في إيجازٍ صحافيٍّ “دُمِّرت أيضاً 154 قاذِفةَ صواريخ، و612 مُدفعاً ميدانياً ومُدفع هاون، بالإضافة إلى 1343 مَرْكِبةً عسكرية خاصَّة”. فما هي حقائق خسائر القوات الروسية والتي بالطبع لا ينتظِر أحد أنْ يتحدّث عنها إيغور كوناشينكوف. فمتى تحدّث ناطِقاً رسمياً بخسائر قواته في المعارك خاصة وإنْ كانت أكبر مِمّا انتظرته قيادته؟