مع التَّتريس الذي يمارسه الشَّارع الثوري، هناك على الجانب الآخر عددٌ من المتاريس المناهضة، التي يوظِّفها قادة انقلاب 25 أكتوبر، ويتمثَّل الترس الأول في الحَمِيَّة العسكرية، التي أعني بها تكتُّل العسكر، والدفاع عن أيِّ مواقف يتخذها قائد الجيش، والنظر إلى أنَّ أيَّ صيحةٍ ثوريةٍ عليهم جميعًا، في حين أنَّ الثوار والقوى السياسيّة جميعهم يبدون احترامهم لقواتهم المسلحة، ويؤكدون أنَّ المناداة بعودة العسكر للرجوع إلى ثكناتهم تأتي في إطار السعي للنهوض بالبلد؛ لكي يؤدي كلُّ إنسانٍ فيه دوره الذي يناسب تأهيله، وبلا شك لا أحد يجزم بأنَّ العسكر خلقوا للحكم، وإذا كان هناك من آمن منهم بأنَّ هذا دوره، فهو واهمٌ، وليس عليه إلا أن ينظر إلى مقدار الخراب الذي سبَّبه الحكم العسكري للوطن، منذ استقلاله.
والترس الثاني هو الإدارة الأهليّة، التي لا يدرك حميدتي أنَّها أُلغيت في السودان من عسكري؛ وهو الرئيس جعفر نميري، فهو تارةً يجمعهم من كلٍّ فجٍّ عميق، ويملأ بمن يسميهم قياداتها الخرطوم، حتى وصل الأمر إلى احتلال أرض المعارض في يومٍ ما، وخطب فيهم مطالبًا بتنظيم هذه الإدارة التي لا رأس لها ولا قعر، وأعطى تلك القيادات المزعومة عرباتٍ من مال الشعب السوداني، في محاولة لخلق حاضنةٍ بديلةٍ لقوى الحرية والتغيير، وتكون تحت الطلب لتنفيذ أجندته، ولعلَّ محمد الأمين ترك يعدُّ نموذجًا لرجل الإدارة الأهلية المطيع، فهو تارةً يغلق الطريق القومي، ويعطِّل المرافق الحيويّة، وتارةً أخرى يستقبل قادته، ويحشد لهم البسطاء، وعندما حرقته هتافات لجان المقاومة والشباب الحي، جاهَر بالدعوة إلى الحكم العسكري، وهذا هو ما تسعى إليه تلك القيادات التي لا أرضية لها بين أهلها.
والترس الثالث “الإسطراتيجيون” وأشباه التوم هجو، الذين رضت عنهم قيادة الانقلاب فبدلت ثيابهم المهترئة، وألبستهم بدلاً جديدة، وفي ظنِّها أنِّ هذا يكفي، لإيجاد صوت مقنع يتحدث باسمها، ويدافع عن مواقفها المخزية، وفي قمتها قتل الثوار بدمٍ بارد، وإعادة النظام البائد بكامل عتاده، وتوجيه التُّهم الجنائيّة إلى الأشراف من أعضاء لجنة تفكيك النظام البائد، الذين كشفوا المستور، وعلموا أكثر مما يجب من أركان دولة الفساد، التي لا تزال مستمرةً، وتمارس عملها تجنيبًا للمال العام، وسيطرةً على مقدَّرات الدولة، وتهريبًا لثرواتها، وغيرها من الممارسات المدمِّرة للاقتصاد الوطني.
والترس الرابع جوقةُ الإعلاميين المرتبطين بالنظام البائد الذين أصبحوا يتجرؤون، ويبدون آراءً كان يخجلون من البوح بها، مثل مطالبة الطاهر التوم بتكريم الرئيس المخلوع من دون أن يرجف له جفن، ومثله كثيرون خرجوا من جحورهم، ليمارسوا شيطنة الأحزاب، وإلصاق التُّهم بالشرفاء.
والترس الخامس هو التَّحالف مع الحركات المسلَّحة، التي توصف بحركات الكفاح، بينما معظم قادتها من تجَّار الحروب، الذين ظلّوا يقتاتون من معاناة أهلهم، ويساومون ويناورون، وقد كشفت الثورة حقيقتهم، إلى جانب جهويَّتهم المفرطة، حتى تناسوا خلافاتهم، وكوَّنوا جبهةً واحدة لاختطاف الوطن.
والترس السادس هو محاولة خداع دول الجوار، وإخفاء قناعاتهم، وارتباطهم بدولة الإخوان المسلمين، التي يحاولون إرجاعها، وهي التي أذاقت جيرانها الويلات بتطرُّفها، وإرهابها، وهم يحاولون التجمُّل، وادِّعاء محاربة الهجرة غير الشرعيّة، إلى جانب ممارسة الابتزاز ببعض المواقف، مثل الزعم بإقامة القاعدة الروسيّة، وهم يدركون عدم قدرتهم على اتخاذ هذا القرار، الذي يجعلهم تحت طائلة العقوبات الأمريكية، وتحت غضب الجيران.
أما الترس السابع فهو تشتُّت قوى الثورة، وعجزها عن اتخاذ فعل سياسي يقلب المشهد، ويضع الانقلاب في حجمه القوي، وخصوصًا أنَّ الأحزاب منشغلةٌ بتبادل الاتهامات، وممارسة ترف الاختلاف الذي لا زلنا نحذِّر منه، وهو السبب الرئيس فيما نحن فيه من متاريس.