حقيقة لا أعرف ما إذا كان لقواتنا النظامية أيَّ إهتمام ببناء (علاقة ثقة جيدة) مع الشعب، وعلى (أسس علمية مدروسة) أم لا..كما لا أعلم ما إذا كانت أقسام ما يُسمى (بالتوجيه المعنوي أو غيرها) في قواتنا النظامية كلها تعتبر أن (بناء ثقةٍ قوية) بين القوات النظامية والشعب عملٌ يدخل في صميم القوة المادية والمعنوية للقوات النظامية أم لا..ولكنني أعتقد أن كل قواتنا النظامية الآن، وبلا إستثناء، وحتى قبل أن تعود الأمور إلى نصابها في بلادنا بإذن الله، لم يعُد أحد من شعبِها يثق فيها، ويلزمها -من ثم- أن تعمد، ومنذ الآن، إلى ترميم علاقتها بالشعب بجدية ومنهجية، لتسترد ثقتَه فيها، ثم تحافظ على هذه الثقة، وتُريها للشعب (بياناً بعمل)، بحيث يعيد هذا الشعب إحترامه لها، وثقته فيها، وإتكاله عليها، ولن تكون تلك مهمةً سهلة في كل حال !!
• في هذه اللحظة التي نكتب فيها نظن أنه ليست هناك أي قوة نظامية (موثوقة) بنظر أغلبية الشعب السوداني، بحيث يمكن الركون إليها ضمن هذه الجيوش السودانية الجرارة التي تُنسب إلى الشعب السوداني !!
لقد كانت هذه الثقة مهترئةً أصلاً منذ أيام البشير، ثم تبددت تماماً بين الطرفين منذ فضِّ إعتصام القيادة العامة في يونيو ٢٠١٩م وما تلى ذلك من (خذلان) عمَّ كافة الشعب حين كان (جيشُنا) يرى القمع والقتل والسحل يمارس أمام ناظريه، ضد شعبه، ثم لم يخذلْه بالنُّصرة فقط، وإنما يغلق دونه بوابات القيادة العامة، ويسلِمه لمصيره المحتوم !!
• إنَّ أسوأ وأشد من تضررت الثقة الشعبية فيه مؤخراً هو جيش المشاة السوداني (البيادة)، دع عنك ملحقاته المدَّعاة..
• وأما الشرطة السودانية فإنها آخر (وأبأس) المتضررين في هذه الموجة الجارفة من فقدان الثقة، بما رصده الناس من أكاذيب باطلة ظلت تروِّجُها الشرطة منذ إعلان مديرها الكذوب بكسلا عن وفاة الشهيد الأستاذ أحمد الخير (بوجبة فول مسمومة) مروراً ببيانات الكذب والتلفيق المتفاوتة، والإعتقالات (وتدبيس) التهم للثوار، نهايةً بتحول بعض من ينتسبون إليها (كان بالصح أو الكضب) إلى (رباطة عديل)، ثم سماح الشرطة (لقوات دخيلة) يدعون أنهم لا يعرفونها، بإرتداء زي الشرطة وممارسة القمع والقنص والقتل والإغتصاب أمام أعيُن الشرطة وهي تشاهد بلا مبالاة !!!
• ولسنا هنا بحاجة لذكر أيِّ شئ عن جهازي الأمن (الوطني) وقوات الجنجويد، وما إذا كان الناس قد منحوهما ثقةً كاملة في أيِّ يوم !!
• لقد كانت قوات الجنجويد في بداية نشأتها التي أرادها لها البشير قواتٍ سريعة الحركة، وباطشة، إستخدمها البشير لسحق الحركات المسلحة المتمردة، وكانت، وهي تؤدي هذه المهمة، تحرق وتسحق وتقتل المدنيين أمامها، وتبيد قراهم وزرعهم وضرعهم، ولا يسألها أحد، ولأنها كانت قد كسرت شوكة الحركات المسلحة المتمردة فعلاً، فلقد تغاضى النظام البائد عن جرائمها، ودمويتها، وقسوتها، وقتلها، وحرقها، بل لقد كان النظامُ معجباً بأفعالها طالما أنها قد كفَتْه بعض شرور تلك الحركات المسلحة.. وفي أخريات أيام البشير، وهو في حشرجة خراج الروح، رأى سكان المدن السودانية، وعلى رأسها الخرطوم، قسوة ودموية تلك القوات، وأستطاع الناس عندئذ أن يتصوروا بدقة عملية ما يمكن أن تكون قد فعلته تلك القوات في دار فور وجنوب كردفان، ثم تلى ذلك ما تكشف عقب عملية فض الإعتصام، من دموية مارستها تلك القوات، ثم آخيراً، بعد ضلوع قادة تلك القوات في إنقلاب البرهان في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م وما ترتب عنه من دموية وسحق للثوار !!
• كان السودانيون في ثوراتهم الثلاث، وعندما تتعقد الأمور يهتفون (جيشٌ واحد شعبٌ واحد) فيتعانق المدنيون والعسكريون في الشوارع عندما يساند الجيشُ شعبه وينتصران معاً، قبل أن ينقض ذات الجيش وينقلب على النظام الديموقراطي اللاحق، وأما الآن فقد أصبح (الجيشُ الواحد) جيوشاً كثيرة، وبعد أن كان الولاء واحداً للسودان الواحد وشعبه الموحد..أصبح لتلك (الجيوش) ولاءاتها الخاصة، وكلها لا يثق فيها أحد !!
• ولقد كان السودانيون -حتى الأمس القريب- ينظرون إلى قواتهم النظامية، وعلى رأسها جيشُهم الموحَّد، بإعتباره صمام أمانهم، ورمز وُحدتهم، وقوة بلادهم، ولكن بكل أسف تزعزعت الآن ثقتُهم في هذه القوات جميعها، مثلما تزعزعت في كل شئ، ولا يدري أحدٌ ما إذا كان بمقدور هذه القوات النظامية أن تعيد تلك الثقة المفقودة بينها وشعبها، وحتى ذلك الحين، فلن يطمئن أحدٌ في أيِّ حل تقترحه القوات المسلحة، أو حتى تكون مجرد طرف تشريفي فيه، بكل أسف !!