في رمضان عام 1400 وصلنا إلى الكونغو وبالتحديد في جنوب كيفو على بحيرة تنجانيقا، لنقضي الشهر هنالك في الإرشاد وتقديم الدروس الدينية. كان الطعام الرئيسي يتكون من إدام لذيذ مصنوع السمك، أما الخبز فهو عبارة عن شرائح الموز أو العصيد يتخذونه من طحن بعض جذور الأشجار. اشتقنا لبعض أكلاتنا ومشروباتنا وسألناهم: أليس عندكم ليمون؟ فلم يعرفوا الليمون، غير أن مضيفنا (ويما) ومعناه البار بلغتهم بعث أحدهم ليعبر بحيرة تنجانيقا إلى بوروندي ويستجلب الليمون من هناك. سألونا في بعض الدروس عن أكل لحم القرد؛ أهو حلال أم حرام؟ وتساءلنا: هل تأكلونه؟! ثم رأينا في بعض جولاتنا لحم القرد معلقًا في الجزارة نسأل الله السلامة! لمسنا اختلاف الثقافات في إفطار رمضان، ليس في أصناف الطعام فحسب، بل حتى في الاجتماع على تناوله والدعوة إليه. طبعًا من ثقافة السودانيين التي يراها الآخرون أمرًا غريبًا الإفطار في الساحات العامة والشوارع، وكذلك عادة (قطع الطريق) لإيقاف المسافرين ساعة الإفطار كما يشتهر بها أهلنا في طريق مدني الخرطوم. أتراهم متمسكين بتلك العادة الحسنة مع غلاء الأسعار في أيامنا هذه؟ أذكر أننا كنا في تلك الدولة بشرق إفريقيا وسألنا عن زميل دراسة من أبناء ذلك البلد، فعرفنا أنه يؤم الناس في أحد المساجد بضاحية من ضواحي العاصمة ويقدم درسًا بعد صلاة العصر إلى وقت الإفطار، فقلنا لعلها تكون مفاجأة سارة له أن نفطر معه هكذا دون موعد على الطريقة السودانية… (نحضر درسه وننال هرْسَه). صلينا العصر وسمعنا الدرس وسلمنا على زميلنا، غير أنه لم يلبث أن حمل نعاله وغادر المسجد. كان الباقي على أذان المغرب دقائق معدودة… لما أدركنا البص الذي يعيدنا للفندق، كان الأذان يؤذن. ضحك صاحب الفندق ـ وهو من أصول عربية ـ لما عرف بقصتنا وأقسم أن يكون إفطارنا معه في بيته طيلة الأيام التي قضيناها. ولن أنسى ذلك السوداني الهمام في أمريكا، يوم استضافنا مركز إسلامي للجالية الأورومية في مينيابوليس… سمع بوجود سوداني في الوفد الزائر، فأتى يحمل مائدة سودانية عامرة بعصيدة الدخن والدمعة مع شراب الحلو مر والكركديه. كنا نتناول الإفطار جماعة في المركز، وجعل الإخوة يسألونني: هل يعرفك الرجل وهل تعرفه؟ ولم يصدقوا أنه مجرد سوداني أراد أن يكرم واحدًا من بني وطنه دون سابق معرفة! أما ذلك السوداني الآخر فأمره عجب. لقيناه في نهار رمضان في اليوم الخامس بعاصمة دولة إفريقية غير مسلمة. تلقانا بالبشر والترحاب، وأقسم علينا أن نفطر معه، فوعدناه أن نلبي دعوته، فإذا هو يقودنا على الفور إلى مطعم قريب. قلنا له: ماذا تفعل؟ نحن صائمون، فإذا به يرد علينا مستغربًا: “بالله رمضان خشَّ؟”… عثمان أبوزيد مكة في الرابع من رمضان 1443هـ