عندما تسد جماهير الشعب السوداني الأفق في السادس من أبريل ويعانق هتافهم السحب، على العالم أن ينتبه ويسمع وجيف هذه القلوب التي تخرج لتجدد رفضها الجازم لحكم وغدر الطغمة الانقلابية، ويسجل في ذاكرته إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
لا يزال السادس من أبريل يوماً استثنائياً من أيام السودان الخالدات، سيكون درساً يتكرر كل عام بالطريقة التي تفرضها الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، ففي هذا العام ثمة بركان يغلي في صدر الوطن وهو يحاول جاهداً، وصادقاً، تخطى عقبة انقلاب 25 أكتوبر الذي وأد فيه البرهان وزمرته الفترة الانتقالية لتمرير أجندة لن تتحقق باستغفال السودانيين الذين عُرِفوا بالدهاء السياسي، ليعيش معزولاً عن الشعب، مرفوضاً من العالم، ويفشل في تكوين حكومته بعد مرور 162 يوماً جراء هذه الخطوة الحمقاء، لأن الشراكة مع أصحاب الغدر مثل شجرة الزقوم، لذلك، ومن باب (المجرب لا يجرب، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) جاء شعار الثوار ومن بعدهم القوى السياسية الوطنية بلاءات الثورة الثلاث:
لا تفاوض.
لا شراكة.
لا مساومة.
وبهذه اللاءات تستقبل ثورة ديسمبر المجيدة شهر أبريل، شهر الثورات المُقدس، ففيه تبلغ المطالب ذروتها برحيل الطغاة، والتأسيس لحكمٍ مدنيٍ راشد، نصحح من خلل حراكه كل عثرات الماضي والإخفاقات السابقة والحالية، خاصة التي لا تحتاج لمايكروسكوب لمعرفة حجمها، والتي تعبر عن حالة (اللا دولة) باختلاق الأزمات الاقتصادية والفوضى الأمنية، وإثارة الهلع بين المواطنين في منازلهم وأماكن عملهم والطرقات.
هُبة السادس من أبريل تحمل عدة رسائل في اتجاهات متباينة، الرسالة الأولى للانقلابيين والمليشايت والحركات المسلحة وكل الداعمين لإفقار السودان (بمختلف تشكيلاتهم)، وهذه رسالة لا تحتاج لشرح، المليونيات وحدها تكفي تعبيرا، والعاقل من اتعظ بغيره.
الرسالة الثانية، والأهم، لقيادة قوى الثورة (بمختلف أطيافهم) ومنظمات المجتمع المدني والكفاءات السودانية، المرحلة تستدعي طي صفحات كل الخلافات والاختلافات، والتخطيط بإخلاص للمرحلة القادمة، مرحلة الفترة الديمقراطية الجديدة بعد رحيل البرهان وزمرته، المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين، لدغتنا الأولى في هذه الثورة كانت في عدم وضع برنامج سياسي واقتصادي وأمني لإدارة البلاد، مما أحدث إرباكاً مخيفاً آنذاك في المشهد السوداني، مما يُحتم التوافق الوطني فيما مُتفق عليه، وهذا هو أساس الانطلاق لأخذ تفويض من الشعب السوداني، وتأجيل المختلف عليه لما بعد الانتخابات أو يفصل فيه البرلمان المنتخب، وإذا لم يكن القادة بحجم طموح الثورة، فحواء السودان لم تعقم، وليس لدينا كثير وقت للتجارب المحبطة.
الرسالة الثالثة للعالم، ثورة ديسمبر، أعظم ثورات العالم لم تنتهِ، ولازال السودان يتمسك بخيوط الأمل في وطنٍ يليق بمواطنيه.