منذ العام الماضي وبعد المقال الأول الذي كتبته عنه بعنوان (وقع الجمال وواقعيّة الخيال) لم تنقطع صلاتي بهذا الرجل الهمام. سعى واتصل عليّ قبيل أسابيع مشكورًا، يسألني أنه تلقى اتصال من صديق لي بألمانيا وحدثه هذا الأخير عن مشروع معرض لمدرسة في غرب السودان يترجى فيه الدعم والسند والمشورة. الهميم – كما الاسم كلمني لحظتئذ بهمّة عالية وعرفان جمّ، ليتأكد من حقيقة الصديق الذي أتى إليه ساعياً لجمعه أيضًا بعدد من التشكيليين الوازنين للقيام بهذه المهمة الصعبة والخيّرة. فكان كذلك؛ حيث أقاموا معرضًا بديعا في صحن متحف السودان القومي وقد سعى فيه المبدع الهميم في لمّ الشمل لمساعدة الإخوة والمشروع المذكور في غرب السودان بقرية أم كدادة والذي يقف عليه الرجل القامة البروف عبد الله التوم والدكتور مجدي رشيد.
من جهة أخرى كنا نتراسل من وقت إلى آخر ولم ينقطع أبدًا مداد شبكاتنا، حيث كان دأب في إرسال لوحاته وأعماله الجديدة دائمًا وأبدًا وطفق يحدثني بهمة واكتراث عن نشاطاته الكثيرة وعمله الدؤوب في رحاب النيلين. حقيقة لكل مجتهد نصيب فأنا أقف الآن ودون مغالاة على تفتق الملكة وانشراح الروح في العزف بالألوان والأشكال والسفر إلى الخيالات البعيدة مستشفًا كل جميل، ويدهشني هذا الرجل في كل مرّة بكل جديد، بديع ورائع. وها نحن ذا يا سادتي اليوم بصدد تقديم اللوحات الجديدة التي أبدعتها ريشته الخلاقة والتي تحمل في طياتها هيام للتجريدية السهلة الممتنعة والمعاني العميقة للمكان والزمان، والتي تكتنفها صبغة النيلين الحيّة المخضبة بدماء الثوار الأحرار كما في يوم سيرتها إلى النيل وفي أيّام الأفراح والليال الملاح، إذ تحتوي جنباتها روائع السودان، هذا البلد الخلاق وهذه البقعة التي أعطت وما فتئت، فكانوا كثرًا وما أبدع تشكيليّ وفنانيّ هذا البلد الأغر الشامخ بعزة تاريخه وبعلياء أهرامات النوبة الصامدة منذ الأزل. هذا الوطن الذي رسمه الهميم في قيامه وقعوده، في منامه وصحوه، يحلم به في كل لمحة ونفس، ويقدم له ريشته دون احتراس أو شروط كقربان كما قرابين التاريخ التليد على جنبات الأزرقين، والتي وُهبت للآلة، ولشريان الحياة ومكّة المبدعين وقدس الواعدين الصامدين ومحراب ثوار الألوان من أجل الحرية والسلام والعدالة. الهميم فنان عالمي بمعنى الكلمة وخطوته للتجريدية في أعماله الحديثة نجاح بيّن وتقدم جليّ. أتمنى له كل التوفيق والنجاح.
لوحاته كأغاني بلادي السمراء ملساء السحنة، والتي تجسدها زرقة النيلين، حالمة تجوب بك حول ربوعه في تؤدة وتأني، تحملك، تدور بك وتسمو معك إلى سماوات الخلود على تبر الوطن. الهميم، هميم بعمله وبألوان السَّحَر التي تخرج من ريشته، ماحي لكل غفوات النسيان التي طفقت تجوب بصفحات إرث الوطن والأهل والجمال الواعد به، إبراهيم وخليل لكل جميل بأرض النيل، نعم كيف لا والله جميل يحب الجمال والهميم هميم بذلك.
الهميم الماحي ابراهيم فنان تشكيلي تسرد لوحاته عالميته في تذوق الفن وهضمه وابداعه، أشرقت شمسه في قرية قريب بولاية القضارف شرق السودان ودرس المدرسة بتلك البقعة المباركة، حباه الله بموهبة الرسم وهو لا يزال في سن يافعة من عمر الزهر والياسمين، لكن تلك الموهبة لم تبطره أن يبحث عن الحرفيّة والمزيد من العلم في مجال الفن والتشكيل فهذب لا يلوي على شيء ليتعلم فنونها بمعهد قصر الشباب والأطفال في عام 2009 وشارك بورشة فنيّة باتحاد التشكيلين السودانيين في عام 2010 وبمعرض جماعي في المركز الثقافي الفرنس في 2013كما وشارك بمعرض جماعي وورشه في مجال حماية الآثار والفنون تحت رعاية المجلس القومي للآداب والفنون. وها نحن ذا يا سادتي أمام تشكليّ محترف ومتطلع إلى الأفضل، محترف عالميّ من أبناء قضارف المروج الخضراء، تلك البقعة المباركة. أتمنى له كل التوفيق والسداد في مسيرته الفنيّة.