قبل سنوات عديدة ، كنا شبابا في بدايات الاغتراب ، وكانت النفس مفتوحة على كل شيء ، والأحلام لا حد لها والطموحات أكبر بكثير من التصورات . كنا نسير في شارع بالسوق في مدينة الاغتراب ، وكان السوق مزدحما بالمتسوقين خاصةً النساء . كنا أربعة أو خمسة من الشباب ، وكنت أسير على الطرف منهم . ومن الجهة المقابلة جاءت مجموعة مماثلة أو أكبر من البنات المنقبات (طبعا) . ومررن بجانب شلتنا ملاصقات لي . وفجأة أمسكت إحداهن بيدي وضغطت عليها حتى ظننت أنها ستنزع أصابعي . وكانت تقول وهي تضغط على يدي دون أن يلحظها أحد من زملائي : أننننت يا الأسمر ! أما زميلاتها فضحكن لكنهن جميعا واصلن السير ، ومن الواضح أنهن خرجن إلى التسوق من أجل مآرب أخرى ، من بينها بلا شك التحرّش . لاحظ الزملاء اضطرابي ، وربما سمع بعضهم صوتها ، وانتبهوا لضحك الأخريات . وابتعدت الشلتان عن بعضهما ، وبدأنا نتحدث بحرية عما حدث ، لكن قلبي ظل يضرب ، خاصة وأن أحد أفراد المجموعة قال لي : ياخ دي فرصة ما بتتفوّت .
بعد سنوات من ذلك الحادث ، قال لي رئيسي في العمل في مناسبة لا أذكرها ، قال : أسمع يا أبو طلال تراني أوصيك ، في ها البلاد أبعد عن اثنين ، الحريم والشرطة .
المهم أنني أمارس فراغا وأتحاوم بين القنوات السودانية والأجنبية ، فسمعت صوتا من داخلي يردد : أننننت يا الأشول . والبنت التي تمسك المايك بيدها اليسرى ، ترفعها لتبشّر ، وتستخدمها اكثر بكثير من استخدامها ليدها اليمنى ، أطرب لأدائها ، وتعجبني جرأتها على المحاولات الغنائية الصعبة ، فتجذبني دون شك . ولست متحرشا بها ، ولن أضغط على يدها ولن أسعى للقائها ، فليس بيننا ما يجمع ، لكني أرسل لها دعمي .
وأختم حالة التطابق هذه بحادثتين متطابقتين أبطالها اثنان من أصدقائي وزملائي . فقد شكا لي أحدهما أنه أخطأ في التدريب العسكري ، ( الكديت ) ، فطلب الصول من الشخص المقابل أن يضربه بالكف . فضربه ضربة قوية جدا ، وهو يتساءل : ياخ ضاربني بكل قوتك عشان شنو ؟ فرد الآخر بأن الأستاذ في أولى أولية طلب منهم أن يكتبوا رقم سبعة ، فأخطأ ضارب الكف ، فأمر الأستاذ بصوت جهوري : جارو أدّيهو كف ! فقام إليه هذا ومحطه كف من يدٍ صغيرة لكنها قوية . والدنيا سدّادة .
ياخ سدّادة شنو ، لو سدّادة أنا كان اتسديت في نفس الزولة التي ضغطت بيدي وكأني أشعر بفعلتها الآن .