لعل البرهان استدرك أنه ظالم الناس ولنفسه مبين، فمن قبله استيقن البشير ذلك في لحظة تجلي وفي شهر رمضان المبارك أيضا فصرخ وصرح أنه آبق ولا توبة له لقتله الآلاف في دارفور، وحينها سأل عن طريق للاستطهار، وها هو الزمان يستدير وفي الشهر الفضيل ذاته ليردد البرهان ذات المقولة بعبارات وكلمات أخرى، ولن أقول له كما قال سيدنا موسى عليه السلام للظالمين من قومه واقتبس من كتاب الله قوله جل جلاله: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (54)، وأقول له لا تقتل نفسك وأزيد أن عليك تحريرها من عوالق تعلمها، والله يعلمها، وسأذكره بقول خالد لسيد الخلق الذي هو أشرف مني ومنه صلى الله عليه وسلم إذ قال: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا، فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَلَا يَقُلْ رَجُلٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ -[49]- لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي)) انتهي الاقتباس.
وأمضي مفندا حديث البرهان بالآتي:
أولا: لن يقول لك أحد من القوى السياسية مستجديا (أقعد بعيد)، فالحديث قيل بحناجر الملايين وبصوت واحد وشنف أذنيك، وزلزل أركانك، وخلخل ميزانك، أن “ارحل” كلمة واحدة لا ثاني لها تمثل قوة الأرادة وقوة العزم والاصرار، وقوة المنطق، وقد سمعتها ولكنك قابلتها بمنطق القوة، وقد قتل وأنت رئيس الانقلاب زهاء المائة من بواسل الأمة ويوانع المستقبل، قتلوا وأنت تحل وتعقد في أمر البلاد (وحدك لا شريك لك)، وبذلك دماؤهم المراقة، وأوصالهم المقطعة، وأعينهم المفقوءة، وذواتهم المفقودة، هذه كلها جميعا معلقة في عنقك إلى أن تلقى بها الله الحكم العدل، لذلك لا تستجدي القوى السياسية السودانية التي تعتقل قادتها ولا لجان المقاومة الذين قتلت زملاؤهم، وحبست المئات منهم وسحلت الآلاف منهم أن يستنقذوك، (ضعف الطالب والمطلوب)، فقط (تنح) استسلاما واعمل (كما كنت)، من الانقلاب واستعد للاستطهار والاستغفار والمساءلة هنا وعند الحكم العدل، أو يتنحى إرغاما شأنك شأن المخلوع.
ثانيا: إذا كان حديثك عن إطلاق سراح البواسل والشرفاء في المعتقلات والسجون هو رشوة للتخدير والتغبير، فالمنطق يقول بأن النيابة العامة وحدها من تقرر في أمرهم وتدخلك اعتراف بتدجينها والإملاء عليها بما تفعل أو لا تفعل، وبقاؤهم في (زنازين الشمالي، أو سوبا، أو دبك، أو شندي، أو بورتسودان، أو غيره) أشرف لهم من أن يطلق سراحهم ليتم اقتيادهم لاتفاق إذعان كالذي لطختم به صحائف رئيس الوزراء السابق د. حمدوك، فالسجون والمعتقلات تخبرهم ويخبرونها وهي أكرم لهم من حياة مذلة يخالطون فيها القتلة والسفاحين وجماعات الارعاب ومافيا الفساد والاستبداد من سدنة الانقلاب، والوطن برمته قد صار زنزانة معتمة، بلا ضوء أو دواء، بلا ماء أو غذاء، بلا نخوة أو إباء، الجميع يعذب، ويقتل، ويسحل، ويسرق، ويصيبه الغثيان من سوء صنيعكم بإطلاق سراح المتأسلمين وجماعات التطرف، والفاسدين، ومن بددوا ثروات البلاد ومزقوا أوصالها.
ثالثا: أما الحديث عن رفع حالة الطوارئ، فهي (حالة) بلا قيمة ولا معنى لها وقد كسر الشعب طوقها من الساعات الأولى قبل وبعد إعلانها، والطواريء مثلت حماية للقتلة من القوات النظامية، بإزالتها أو إلغائها لن تعيد لنا من فقدنا، ولن تعيد أي ثقة للشعب في قواته النظامية التي تتقاعس عن حمايته، بل مثلت انتهاكات وسرقات منسوبيها أجلى صور البؤس والهوان والامتهان، وفاقت بذلك ونافست حرب عصابات (٩ طويلة).
رابعا: المخرج “واحد”، “وحيد”، “أوحد” أمامك:
١. بيان “واحد” أعلن فيه تنحيك الفوري عن السلطة أنت وسدنة الانقلاب فور التنحي سيتنفتح طاقة القدر بقدر وقدرة هذا الشعب ومقدار لطف الله العظيم؛
٢. مرسوم “وحيد” ألغ به جميع قرارات انقلابكم المشؤوم في ٢٥ أكتوبر وما ترتب عليه من إجراءات، وهو ما سيسرع التعافي من ازمات البلاد التي استفحلت عقب الانقلاب، وسيفتح الباب لاستعادة مكتسبات الثورة الداخلية والخارجية والدولية؛
٣. توجيه “أوحد” أوقف به أجهزتك عن استدعاء أشباح القوى السياسية من القبور، واستنساخ مسخ لجان مقاومة، والكف عن تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في السودان، حينها تتم استعادة ضبط الأجواء وتهيئة المناخ واستعادة الثقة للتواصل بين مكونات الشعب السوداني دون قطيعة.
ختاما: هذا والله أعلى وأعلم مدخل الحل والإصلاح، أو سننعم بالصبر على أيام كوالح، موالح، رمداء، غبراء كغوابر أيام النظام المباد، بل أشد بؤسا وبطشا وتنكيلا، حينها ستأكلكم جميعا نار (المردة) المستحضرين من المنافي والسجون، وسيتواصل مسلسل تمزيق البلاد وتستعر حروب الأطراف وربما اندلع أوارها في قلب العاصمة، ولن تجدوا حينها حتى تراب وطن تجلسون عليه القرفصاء.
أخيرا: تذكير للتاريخ:
في مثل هذه الأيام من العام الماضي وفي منزل السيد الفريق ياسر، إنك استنكرت حديثي عن ذهابك لكوبر حال تماهيك مع الفلول ومهادنتهم والسير عكس اتجاه موجة التاريخ الثورية، وأكرر اليوم مجددا ما قلته لك يومئذ، كوبر لمثلك ستكون “نزهة” حال عاد الإسلامويين إلى السلطة وكما أشرت لك بالوسطى والسبابة في جبهتك أن مصيرك سيكون “الدروة” وطلقة في الرأس لأنهم (وكذلك يفعلون) وتذكر ضباط رمضان ونحن في شهر رمضان وذكراهم بعد أيام، وقال ياسر حينها أن النظام المباد لن يأتي (صاد)، وها هو قد آب إلى البلاد (صاداً) بكل قبحه وقيحه وصديده في كافة مرافق ومؤسسات الدولة، وأعاد البلاد إلى سودان ما قبل المفاصلة في ١٩٩٩م، وهو ما سيجلب لنا الحظر، والحصار، والدمار، واستحضار جماعات التكفير والإرهاب والإرعاب، وستعود عمليات الاغتيال على شاكلة ما حدث للراحل د. جون قرن، والزبير وشمس الدين ومجذوب الخليفة ومن معهم.
اللهم بلغت فاشهد
هذا والله غالب على أمره
انتهي_
عروة الصادق اسماعيل حمدون
المحطة:
أم درمان – البقعة المباركة
التاريخ:
١٤ رمضان ١٤٤٣ه الموافق
١٥ إبريل ٢٠٢٢م
@orwaalsadig__