كان من الواجب أن يقر الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانقلابي بالفشل الكبير بعد إجراءاته الانقلابية التي أدخلت البلاد والمواطن في دوامة من المعاناة متعددة الوجوه، فالحال الذي وصلت اليه البلاد التي تعيش ضائقة اقتصادية وعزلة دولية ، وجفوة عريضة بين الشعب والسلطة بسبب تهور القيادة العسكرية وقراراتها الطائشة وممارستها وتعاطيها للأمور السياسية بطريقة خاطئة وارتكابها لعدد من الجرائم والاعتداءات كان يجب أن يقول البرهان اننا فشلنا في ادارة البلاد واننا نقر ونعترف بذلك.
فالمواطن السوداني والمتابع للمشهد السوداني وحاله البائس الذي لا يسر، يدرك ان السلطة الانقلابية فشلت في ادارة الحكم ، بل عملت على تضاعف وتفاقم مشاكله ومعاناته ، فبالرغم من رتابة العبارات المكررة في خطابات قائد الجيش التي تحكي عن ضرورة وأهمية تسليم السلطة للمدنيين، كجملة انشائية فضفاضة للاستهلاك السياسي والتجمل في طريقة الخطاب والتي لاتتطابق فيها الأقوال مع الافعال ، الا انه ومنذ اعلانه الانقلاب وهو يحدثنا عن التوافق وعن استعداده لتسليم السلطة لم يتقدم فعلياً خطوة واحدة في هذا الاتجاه الامر الذي يجعل البلاد في مهب الريح تدفع يومياً ثمناً باهظاً نظير هذه الحماقات.
ولكن في الحديث الأخير وقف البرهان على عتبة الاعتراف ولم يعترف وتحدث عن استعداد الجيش لتسليم السلطة للمدنيين حال اتفاق القوى السياسية ، وفي ذات الوقت كشف عن توجيه للنائب العام ورئيس القضاء لدراسة الوضع القانوني للمحتجزين وتسريع الإجراءات الخاصة بهم، والإفراج عنهم خلال الأيام القادمة ، وعن مراجعة حالة الطوارئ والابقاء على بعض البنود الخاصة بحالة الاقتصاد وغيره مما يساعد على تهيئة المناخ للحوار.
وقال البرهان : (ما عندنا معتقلين سياسيين، عندنا متهمين حولهم شبهات. جلست الاسبوع الماضي مع رئيس القضاء و النائب العام و تحدثنا عن تسريع إجراءات إطلاق سراح المقبوضين و بحثنا السبل المريحة لإطلاق سراحهم بعد ثلاثة او اربعة أيام بشرط الا يؤثر ذلك على العدل) .
والغريب العجيب ان الفريق لا يرى انه أثّر على العدالة بجلوسه مع النائب العام ورئيس القضاء مسبقاً وانه لم يكتف بذلك بل حدد ان المدة التي يطلق سراحهم فيها اقصاها يومين او ثلاثة أيام !!
فالمعتقلون السياسيون عندما تمت محاصرة الانقلاب واتهامه بأن اعتقالهم كان اعتقالاً سياسياً خرج علينا مستشار البرهان العميد ابو هاجة الممسك بفرشاة الترميم لتصدع البيت الانقلابي، خرج وقال ان السياسيين الذين تم القبض عليهم يواجهون تهماً جنائية وماحدث ليس اعتقالاً سياسياً.
لكن الا تعد الآن تبرئتهم في الايام القادمة والبحث عن (السبل المريحة) التي كشفها البرهان مع رئيس القضاء والنائب العام ، وخروجهم بعد يومين او ثلاثة الا يعد أكبر دليل على ان اعتقالهم كان اعتقالاً سياسياً أمر به البرهان والآن يتدخل بأمر جديد لاطلاق سراحهم.
لذلك فإن الخطوات القادمة وكل ما يتحدث عنه المجلس الانقلابي من ضرورة التنازل من أجل الوطن هو فشل ينقصه الاعتراف المباشر بهزيمة نكراء ،وتخبط نتج عنه هذا الإنهزام ، بعد ان فشلت كل الجهود الخارجية وحصد القادة من الزيارات الاخيرة صفراً كبيراً جعلهم يعودون الى النقطة الاولى ماقبل اجراء الانقلاب ، لكنهم بارعون في تسمية ذلك الفشل بمسميات سياسية براقة ، قولوا انكم فشلتم ولا بديل لإرادة الشعب ، قولوا مدنيااااو .
طيف أخير
لا تزرع في دربي شوكاً، لعلك غداً تأتيني حافياً
الجريدة