يقع بيت السيد بله يوسف، في الركن الجنوبي الشرقي، لنادي الاهلي، وهو بيت حكومي، ذو طلاء أشهب، يفتح بابه الأخضر شمالاً، تقابله بوابة المؤسسة الفرعية، للري والحفريات، وبينه وبينها، مسافة، من الرمل والتراب، كافية حتى تاخذ أمرأة وحيدة، قرارها، أن تبتسم في وجهك، عن اعجاب، او تصفعك ان تتبعتها بغيظ، عن قصد، وعن غير قصد. وحين تهبط الظلمة، فأنت شاهد، إما صالح مهرول للحاق بالعشاء، في جامع طه، او قاصد أنس للأنادي، في أطراف المدينة القاصية، أو رهط من صبية ذاهبون، لمشاهدة الفك المفترس، في سينما امير، لا يملون إعادته، حتى المرة العاشرة. أمام بوابة النادي الاهلي، تصطف سيارات (الموريس) البيضاء ، أكثرها لمعاناً وجاذبية و شهرة، بلونها (الإيق شيل) لون البيضة، تلك التي يقودها (بابكر سانتو)، وقد تتوقف عندها في مسيرك، إلي ( السينما الخواجة)، كشحيح ضاع في الترب خاتمه، وتحدث انفاسك المنبهرة، في سرك حتى يسمعك الناس: يازوول سانتو لصق لفريق (سانتوس) مسمار، في دار الرياضة القدامك دي، (بيلية زاتو كان لاعب)، وجاب قون بالكعب في ( الاسماعيلي) وفي ( المحلة)، و(ابو جريشة) والراس الذهبي (صالح سليم)، واقفين يتفرجوا! كم تتمنى في سرك، ان تكون سانتو، سنطة، محجوب الله جابو، عوض حلاوة، خدوري، وان يكون لك مجد، وشهرة، وقدرة ان (تجضم) العود ، زي (ود اللمين).! والسيد (بله يوسف) المحاسب بالإدارة المركزية للكهرباء ، والتي كانت تسمي، بشركة النور في عهد سابق، رجل اخضر، طويل الباع، كنا نراه من علي البعد، ونحن في خضم عراك الدافوري، في ميدان مركز صحي (١١٤)، حيدر إبنه الاصغر، صديقنا، ورفيق مجاهدتنا في الدوري، كان عاشقًا للكرة، وأكثر عشقا لابن عمته ابو اللمين، ولحيدر، نقلا عن أبيه، أقاصيص سحرية، عن أبو اللمين، تدور أحداثها، في فضاء عريض، يمتد من ود ازرق، إلي ود النعيم، وكبري بيكة، وقباب العركيين، يحمل هذا الفضاء الأسطوري، في مركب نوحه، أناس خلقو من صلصال المدائح وإيقاعها، وعمدوا بلهب التم تم، هي أحاجِ لم يجف نبع سحرها، في دواخلي ، حتى هذه اللحظة. لم يكن يطيب لي نوم، وأنا في طفولتي الباكرة، إلا حينما تدرك مسامعي، أصواتهم، بعمائم وجلابيب، ووجوه بلا ملامح، تبعث بعثاً، من خلل الأغبرة والأبخرة، من (جوه البلد)، من جبرونا، وحي البان، ودوران بانت، ام سنط، حلة حسن، حلة زنقو، وحلة محجوب، عترة، حنتوب، الشكابة شاع الدين وفداسي، مارنجان عووضة، وحي سيكو، وفريق الحلبة، الهوج والفوج وابو حرازالقدامي والوراني، تحملها رياح الشتاء الباردة، تمد بساط بركة الأولياء والصالحين، العليش والمكاشفي وحيدر قطامة، وسمار الليالي، والسحب التي تعبر السماء ، علي استحياء ، في بحر الليل الذي، (ما طفنا نجوم)، بالطبل والرتم والرق والاصناج والمثلث.. انشد معهم، بالحب وترجمان الاشواق، تحت غطاء ثوب امي المعطر.. بحر العلوم ود مدني… مجافي النوم ود مدني.. وبنيات (الحله)، يتخير منهن (فضل الله) الملهمات، من التي تمني بعد الشر عنها، وحتي التي تقوتها، زاداً لشجونه وجنونه، ولكن سماء الجزيرة، كانت في عنفوان نزفها، تسح ما تسح من دموع الهام ثقال، بتصرف من السياب، وعالم بن عباس بن بطوطة، فمست بسحر بروقها، من صعد الشواهق، ومن احترق فذرته الرياح. في البيت الذي فتح فيه السيد (الطاهر)، ابواب كانتينه، أقام طالب وافد، من كسلا، إسمه (محمد حسين)، في ضيافة أهله، وسمي لاحقاُ، وحينما لمسته عصا الإلهام، باسم مدينته، فعرف ب(محمد حسين كسلا)، كان جميل المقاطع، فاتح اللون، فكأنما هذه الصفة، ذات معنى، عمدته المدينة، فسارت باسمه وشهرته الركبان، لعب للأهلي، وكان من حسن حظه، أن سكن مجاوراً لصق الحائط، البيت الذي ضم (تشكين) لاعب الاهلي، وعبد الله (شريعة)، و(ردخة)، وأخوال (تشيكين)، بلة سليم والهادي سليم، ودامبا، وسكن في غرفة، في بيت (ابراهيم بادي)، الذي يقابلهم، (ابراهيم دبيو) و(السر الصوفي)، وفي يوم تسجيلهما للإنضمام لفريق الأهلي، عادوا في المغربية، ومعهم سليمان رحمة الله، يقودون ثلاثة عجلات، ، ماركة ابو ثعابين، من الميزان، مهر انضمامهم للأهلي العظيم، كانوا يمشون بهدوء، حتى يشهد الناس مجدهم، يبتسمون للمارة، حتى وإن لم يلحظ وجودهم أحد. في نهاية المربوع، يسكن الفنان الشعبي (مدني)، والذي اقامه الصينيون، في ابو عشر، من كساحه، فاستقام (كالعازر)، حين دعاه يسوع. وفي المدرسة العربية، وفد شاب إسمه (التاج مكي)، من كسلا أيضاً، واشترى له زملاءه الطلاب، وعلى راسهم (ود اب رونجة)، ( عوداً من محل (لاظ)، بالسوق الكبير، حين أظهر موهبة في الغناء والعزف، فرعته المدينة، وعلمته الغناء، مثلما علمت بلدياته، محمد حسين، مهارة الكرة. تهب رياح الشتاء الباردة، تمد بساط بركة الأولياء والصالحين، العليش والمكاشفي وحيدر قطامة، وازرق طيبه، والسحب التي تعبر السماء ، علي استحياء، ليغني حفيد الشيخ (حمد النيل)، يعبث بالعود إيما عبث، فتزداد النسوة وسامة على وسامتهن، تتوهج حقول القطن، ويأتيني (حيدر)، يحمل الشريط الكاسيت الهيتاشي، عليك الله اسمع الاستاذ، دي قعدة في البان جديد، في الأبيض ياخ، ويجضم الاستاذ العود، حتى يعود للشفق لونه، ويدق العجكو، رغماً عن أنف القتلة، يمه الليلة المانعو، بصوت مجلجل عميق الغور، بتفاصيل وإضاءات بين كهوف، تحفظ ماءاً نقياً، كبحيرات منبتة، بظلال، تتلمس طريقك بين معارجها، حتى يشرق عليك ضياء شمس الحرية، وإن طال مسيرك. تاج السر الملك ٢٠٢٢