غابت الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الشرطة عن منبر مهم مخصص لمناقشة الأزمة الأمنية في السودان ، رغم تأكيدات قادتها بالمشاركة ، لكن المعنيين بالأمر من الشرطة والجيش والدعم السريع والمخابرات لم يبعثوا بممثلين للمشاركة في المنبر أو برسالة اعتذار.
الأمر الذي جعل الكثير من الأسئلة تظل بلا إجابات لغياب جهة الاختصاص ، غير أن خبراء من ذوي الرتب الرفيعة شاركوا في المنبر وأثروا النقاش بآراء ومعلومات مهمة حول القضية.
وقالت رئيس تحرير صحيفة أول النهار مشاعر عثمان ، أنها وجهت الدعوة لقادة وزارة الداخلية والقوات المسلحة والمخابرات والدعم السريع ووالي الخرطوم، ولم تتلق من أي من الجهات مايفيد بعدم المشاركة بل تلقت تأكيدات من الشرطة بحرصها على الحضور والمشاركة في المنبر.
وقالت إن الجهات الرسمية غابت عن المنبر المهم دون حتى أن تبعث برسالة اعتذار
وناقش منبر صحيفة أول النهار، المنعقد بنادي النيل الأزرق للزوارق بالخرطوم (ليل الاربعاء وفجر الخميس) الوضع الأمني في العاصمة الخرطوم وبقية ولايات السودان تحت عنوان :
“السيولة الأمنية المسببات والحلول”.
وشارك في المنبر الخبيران الفريق شرطة حقوقي عبدالرحمن حسن عبدالرحمن حطبة، واللواء د. أمين إسماعيل مجذوب.
وتم التداول حول الورقة الرئيسية التي قدمتها الصحفية هاجر سليمان والتي فصلت مسببات السيولة الأمنية واقترحت حزمة من الحلول، ووصفت الورقة بأنها شاملة ودقيقة، وقدمت وصفة علمية وعملية للخروج من حالة السيولة الأمنية.
وأدار دفة الحوار من المنصة الصحفي عبدالعظيم صالح.
محاكم خاصة وعقوبات رادعة
أقر الفريق شرطة حقوقي عبدالرحمن حسن عبدالرحمن حطبة، بخطورة الوضع الأمني، مشيراً إلى أن ظاهرة الانفلات الحالية تستوجب تدخل بقية أضلاع المثلث الأمني المكون من الشرطة، الجيش والأمن، وتفعيل مثلث العدالة المكون من
الشرطة، النيابة والقضاء، داعياً لتشكيل محاكم ونيابات خاصة للجرائم الجديدة لتكون رادعة للمجرمين
وأشار إلى أن السجون تمثل مشكلة كبيرة وانها أصبحت مدارسا لترقية المجرمين.
ورجح أن يكون إطلاق سراح مجموعات كبيرة
من المجرمين السجناء سببه تقليل الصرف على الدولة.
وقال حطبة، نحن أمام تحدي الخروج بالسودان إلى بر الأمان، مشيراً إلى أن الأزمة السياسية
والمتغيرات الاقتصادية تمثل ضغطاً كبيراً على الأمن الذي يتطلب صرفاً باهظاً.
وأيد ما ورد في الورقة التي قدمتها الأستاذة هاجر سليمان، حول خطورة المركبات غير المقننة – بدون لوحات – وانتشار السلاح، والوجود الأجنبي خاصة لمنسوبي دولة جنوب السودان.
وأشار حطبة، إلى أهمية تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ومعالجة أوضاع قوات الحركات المسلحة، وضبط السلاح بدءا بالسلاح الأبيض ونقل الأجانب (الجنوبيين) إلى معسكرات خارج المدن على اعتبار أنهم لاجئين
وانتقد الفريق حطبة انحراف المظاهرات من السلمية التي أسقطت النظام إلى العنف، الأمر الذي زاد من تركيز الشرطة على تغطيتها لدرجة أثرت على العمل ومهام قوات الشرطة الرئيسية الأخرى.
وأشار إلى أن انتشار المخدرات نوعاً من أنواع استهداف السودان، مشيراً إلى أن الأخطاء الإجتماعية من الأسباب الرئيسية في أن يكون الوضع كما هو الآن، داعياً للاهتمام بالتماسك الاجتماعي والتضافر لهزيمة الظواهر الاجتماعية السالبة.
أزمة أمنية
من جانبه وصف اللواء أمين اسماعيل مجذوب ، الوضع الحالي بأنه (أزمة أمنية) وليست سيولة أمنية كما ورد في عنوان المنبر.
وعزا انتشار ظواهر النهب والسرقة والعنف والإنفلات إلى إهمال الجانب الأمني بعد ثورة ديسمبر المجيدة والتركيز على الوثيقة الدستورية.
وقال إن السبب المباشرة في الأزمة هو استهداف السودان من عدة دول ومحاولة تحويله إلى دولة فاشلة، وتنفيذ ذلك المخطط بواسطة عناصر مدربة من الخارج وشباب من مناطق النزوح للقيام بأدوار معينة.
وأشار إلى ما وصفه بالخطأ الكبير في الاستثناءات التي حدثت لصالح الحركات المسلحة حيث تم السماح لها بإدخال مركبات بدون أوراق، وقال إن كل هذه المركبات من(سيارات، مواتر وركشات) عدد كبير منها يُستخدم في الجرائم، مشيراً إلى عدم تمكن الحركات من صرف رواتب لمنسوبيها.
وانتقد معاملة النظام البائد للجنوب سودانيين (الجنوبيين) معاملة السودانيين، الأمر الذي فاقم من الأزمة الأمنية.
وحذر من صراعات بين السكان وبعض المجموعات وتحول القضية إلى صراعات إثنية.
وقال اللواء إسماعيل، إن المطلوب الآن لحسم الأمر
انتشار الدوريات والارتكازات وتغطية المناطق الطرفية
ورفع المستوي التعليمي والتدريبي للأفراد مشيراً إلى خطورة انضمام
الفاقد التربوي للأجهزة النظامية ما تسبب في كثير من الانفلاتات وحوادث النهب في المواكب وغيرها،
ونوه إلى أهمية تهيئة الأوضاع وتحسين المرتبات لتكون الشرطة جاذبة للمؤهلين، وتفعيل مراقبة الطرق عبر الكاميرات.
اختفاء المتحدثين الرسميين
وانتقد اللواء د. أمين اسماعيل، ظاهرة اختفاء المتحدثين الرسميين باسم الشرطة والجيش والدعم السريع، عن الساحة الإعلامية وعدم توفير المعلومة الشيء الذي يتيح فرصة للشائعات وتضخيم الأخبار العادية.
وقال إن هنالك العديد من الجرائم الكبيرة
التي لم تعلق عليها الشرطة والأجهزة الأمنية ولم تصدر بيانات بشأنها، مشيراً إلى أن ذلك يجعل المواطن يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي ويكون عرضة لتضارب المعلومات.
وأشار إلى أهمية حسم إفرازات بروتوكول الترتيبات الأمنية ومعالجة الأزمة السياسية
ومنع المحاولات الإقليمية لخلخلة الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في السودان ووقف الصادرات وعرقلة عملية التنمية
محذرا من عواقب ظواهر الثراء السريع والصراع حول مناطق التعدين ومحاولات قبائل إزالة قبائل أخرى وظهور مصطلح المستوطنين الجدد.
وقال اللواء اسماعيل إنه مازال بالإمكان السيطرة على الأوضاع وتحمل الدولة مسؤوليتها وتوظيف الجيوش الكثيرة لحماية المواطن لا للكسب السياسي.
الجنوبيون يهددون أمن الخرطوم
واتضح من خلال النقاش أن أبرز مسببات السيولة العصابات المنظمة وغير المنظمة للأجانب في الخرطوم، خاصة من منسوبي دولة جنوب السودان الذين ينتشرون في مساكن عشوائية داخل المخططات السكنية ويهددون أمن السكان بصورة لافتة وبجرأة في شكل مجموعات.
وأشارت مقدمة الورقة هاجر سليمان، إلى إحصائيات غير رسمية تقول بأن عدد الأجانب الموجودين بصورة غير قانونية يقارب الخمسة ملايين.
قوات الحركات
وكشفت عن ضلوع نظاميين ومنسوبين لحركات الكفاح المسلح في عدة جرائم بالخرطوم، غير أن ممثل الجبهة الثورية في المنبر د. محمد زكريا، حاول إبعاد التهمة عن منسوبي الحركات مشيراً إلى أن وجودهم في الخرطوم لا يتعدى الحراسات الشخصية للقيادات أي بواقع ٦٦ فرداً لكل حركة مؤكداً أنه تم تدريبهم بواسطة القوات النظامية، إلا أن المتحدثة الرئيسية أشارت في تعقيبها إلى جرائم عديدة ثبت تورط منسوبي الحركات فيها وتم التعرف عليهم وفتح بلاغات في مواجهتهم.
واتفق الخبيران الفريق حطبة والواء د. أمين إسماعيل، مع ما ذهبت إليه هاجر سليمان، في أن انصراف الشرطة عن دورها الرئيسي إلى الإنشغال بتأمين المواكب الاحتجاجية شكل ثغرة كبيرة أسهمت في تفشي الجرائم خاصة جرائم الخطف والنهب وما يعرف بـ (٩ طويلة).
ونوهت إلى أن أحد أهم أسباب السيولة الأمنية إطلاق سراح نحو ٤ آلاف سجين من (عتاة المجرمين) بينهم تجار مخدرات قبل عامين بقرار من المجلس السيادي الأمر الذي كان له الأثر الواضح في ارتفاع معدل الجريمة وتطور أساليبها.
ومن أبرز المسببات التي ساقتها مقدمة الورقة، انتشار السلاح في المناطق الحدودية، وجود المركبات غير المقننة (عربات ومواتر) تستخدم في الجرائم، وتزايد أعداد النازحين إلى العاصمة وتفشي البطالة وانتشار المخدرات.
“دعامة” وعصابات هامش
واشارت إلى وجود عصابات منظمة من بعض أبناء الهامش بالخرطوم بعضهم نظاميين سابقين، مؤكدة وجود أجسام إجرامية منظمة ولديها مسؤولين ورؤساء ووزارة مالية مصغرة، وحذرت من خطورة عصابات أطفال تتراوح أعمارهم بين ٨ إلى ١٥ عاما قالت إنهم يسمون انفسهم (الدعامة) ووصفتهَ بأنهم شرسين ويمارسون النهب والسرقة من المنازل.
وقالت هاجر سليمان إن تمركز الخدمات في الخرطوم وانعدامها في الولايات، تسبب في عملية النزوح والسكن بمناطق طرفية في الخرطوم تسهل فيها ممارسة الجريمة خاصة مع انعدام فرص العمل.
عصابات تسول نسائية
من جهتها كشفت رئيسة تجمع نساء نهر النيل د. فائزة الخليفة حدربي، ، عن ظهور عصابات نسائية تمارس التسول ، وعزت ذلك للفقر الشديد
.
ودعت لتقنين الوجود الأجنبي بصورة حاسمة
التدهور ومحاربة الفقر الذي يتسبب في كثير من الجرائم.
وأشارت د. فائزة إلى أهمية تأهيل السجناء وسن قوانين رادعة حتى لا يضطر المواطن لتنفيذ عقوبات بنفسه
وكشفت عن معالجات نفذها تجمع نساء نهر النيل في الولاية للحد من
تسول عصابات السيدات، عبر تمويل مشروعات
صغيرة للنساء تنقلهن من حالة الفقر والعوز إلى خانة الانتاج.
وقالت فائزة حدربي إن التجمع انجز مشروع نقل أكثر من ٤٢ الف سيدة من نهر النيل من دائرة الحوجة لدائرة الانتاج، بمساعدة وتمويل مباشر من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي.
غياب الأجهزة الرسمية
وتداخل عدد من الصحفيين والمهتمين، في المنبر مشيرين إلى أهمية توفير الأمن، متحدثين عن تجارب شخصية ومشاهدات تتعلق بالظواهر الإجرامية الجديدة، ومنتقدين غياب الأجهزة الرسمية المعنية بالأزمة عن المنبر
وأشارت رئيس تحرير صحيفة أول النهار مشاعر عثمان، إلى أهمية استمرار الضغط الإعلامي عبر كل وسائل الإعلام والتعاون من أجل القضاء على الظواهر التي تهدد الأمن.
وقالت إن توصيات المنبر ستصل إلى الأجهزة الأمنية المختصة – رغم غيابها- أملاً في خلق واقع أمني أفضل والعودة بالخرطوم إلى سيرتها الأولى حيث كانت تُعرف بأنها أكثر العواصم أمناً.
أبرز التوصيات
وخلص المنبر إلى عدة توصيات بعد نقاش استمر لأكثر من ثلاث ساعات لخصتها مقدمة الورقة هاجر سليمان ممثلة في اهمية تعزيز دور المجتمع لمحاربة الظواهر والأزمة الأمنية، تقوية الأجهزة الامنية، محاربة انتشار المخدرات إعادة دور قوات هيئة العمليات بجهاز الأمن لتمشيط المدن ليلاً، تنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق جوبا لسلام السودان، محاربة انتشار الأسلحة والعربات غير المقننة، تقنين وضبط الوجود الأجنبي للقضاء على التفلتات الأمنية ونقل الأجانب إلى معسكرات لجوء خارج المدن، محاربة ظاهرة التسول التي تتحول إلى تفلت أمني
بالاضاقة الى تفعيل الأجهزة الأمنية لتطور وسائل توفر المعلومة، سن قوانين رادعة في الجرائم الخطرة، تاهيل نزلاء السجون عبر مهن وحرف وتحويلهم إلى منتجين،
تعزيز الإرادة السياسية، وتفعيل دور الناطقين الرسميين في الاجهزة الأمنية، الاستفادة من خبرات النظاميين المتقاعدين، وخلق
شراكة بين الأجهزة
الإعلامية والأمنية والمجتمع،
تفريغ المخططات السكنية من الوجود العشوائي،
وقف النزوح،
تنمية الولايات، تخصيص قوات للشغب بدلاً من تحريك القوات المختصة بالعمل الجنائي.