علاقة الأستاذ السر قدور بمصر قديمة جدا، بدأها، كما كان يحكي، بمتابعة الأفلام المصرية في دور السينما، ومطالعة الصحف والمجلات المصرية التي كانت تصل الخرطوم بانتظام، ثم تبع ذلك بزيارات متعددة لمصر منذ نهاية الخمسينات، وتكثفت خلال سنوات الستينات، برفقة أصدقاء من الوسط الفني والثقافي.
وكثيرا ما ترد أسماء الفنان صالح الضي والشاعر محيي الدين فارس، مع أسماء أخرى لشعراء وفنانين ودراميين، كانوا رفقاءه في الرحلات السنوية لمصر.التجوال في شوارع القاهرة مع السر قدور متعة لا تدانيها متعة، فله في كل شارع قصة وحكاية أو معلومة، وله مع معالمها وأزقتها عشق لا ينتهي.
يشير لمبنى معين ويسرد قصة عنه، إما من قصص التاريخ الفني المصري، أو له علاقة بالسودان والسودانيين. أوقفني مرة ليشير لبلكونة معينة ويقول :هنا كان يقيم حسن الطاهر زروق، وفي المنيل يقول لك هنا كتب بشير عبد الرحمن قصيدة بنت النيل، وهنا لحن اسماعيل عبد المعين بعض أعماله.كنت أسير معه في شارع شريف مرة، فأشار لعمارة ضخمة في ذلك الشارع الكبير بوسط القاهرة، وقال لي “كان مفروض امتلك شقة بهذه العمارة”. رددت عليه ممازحا “لكن منعك من ذلك ضيق ذات اليد..” كانت إجابته مفاجئة ” لا..الفلوس كانت موجودة لكن منعني الاصدقاء المطاميس”ثم روى الحكاية، فقال أنهم كانوا ثلاثة من الأصدقاء في القاهرة يقيمون في شقة مفروشة بهذه العمارة، وسمعوا بوصول الشريف حسين الهندي للقاهرة وإقامته المعتادة بفندق شبرد. ذهبوا إليه ، وكان يحب مؤانساتهم ويكرمهم، لكنهم قطعوا السهرة ليعودوا للشقة لأنهم مفترض أن يرحلوا منها صباح الغد، سألهم الشريف عن سبب الرحيل من الشقة، فقالوا إن صاحبتها، وهي فنانة معنزلة، ترغب في بيعها.طلب منهم ـأن يسالوها عن الثمن، استغربوا للسؤال، لكنهم فعلوا، ثم عادوا وأبلغوا الشريف بما قالت. طلب منهم الحضور في اليوم التالي، ثم سلمهم المبلغ وطلب منهم أن يشتروا الشقة لتصبح مقرا دائما لهم متى حضروا للقاهرة، بدلا من إيجار الشقق المفروشة.قال إنهم استلموا المبلغ، لكن من لحظة خروجهم من الفندق بدأ الأصدقاء في تبخيس فكرة شراء الشقة، وأنهم يأتون لمصر مرة في السنة ولا معنى لامتلاك شقة، وبدأوا في اقتراح برامج للمتعة والترفيه بهذا المبلغ، وقد كان…ثم عادوا للسودان صفر اليدين.