تحدثنا في الحلقة الماضية عن علاقة السر القديمة بمصر، التي تمتد لسنوات الخمسينات والستينات، وتأثره بالثقافة المصرية التي كانت تصلهم عن طريق السينما والدراما والموسيقى والكتب والمحلات المصرية.ت
واصلت زيارات السر قدور لمصر بعد انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩، الذي تبعه تضييق شديد على المنتمين لكيان الأنصار وحزب الأمة، وكان السر قدور من المنتمين للحزب والكيان.
سافر للمرة الأخيرة في عام ١٩٧٣، وظل مقيما بمصر إقامة دائمة بلا انقطاع لمدة ٢٧ عاما، ولم يعد لزيارة السودان إلا عام ٢٠٠٠م في رفقة الإمام الصادق المهدي بعد توقيع اتفاق جيبوتي بين حزب الأمة وحكومة الإنقاذ، وبعدها تواصلت زياراته للسودان بشكل منتظم، خاصة بعد تعاقده لتقديم برنامج ” أغاني وأغاني “.
تبدو تلك فترة زمنية طويلة يمكن أن تقطع الشاعر والباحث في التراث الشعبي و الكاتب الصحفي عن بيئته ومصدر إلهامه، وتجعله في حالة غربة عن مجتمعه، لكن لم يكن الأمر معه كذلك.شكل السر قدور حالة سودانية وإنسانية فريدة، فقد ظل يعيش الحالة والحياة السودانية داخل مصر بلا أي انقطاع.
كان الرجل جزءا مهما من المجتمع السوداني بمصر، وفي نفس الوقت في حالة تواصل مع السودانيين القادمين لمصر، من السودان أو بلاد العالم الأخرى، كانت برامجه اليومية سودانية خالصة، سياسيا وثقافيا وفنيا. ومعلومات متجددة ومتطورة.
كنا نعرف من وصل للقاهرة من السياسيين ورجال الأعمال أو الفنانين والشعراء من خلال السر قدور الذي كانت لديه شبكة معلومات مركبة ومعقدة. حتى مجتمعه المصري كان محصورا على المصريين العاملين في الوسط الفني و الثقافي والصحفي ذوي الارتباط بمصر، مثل العاملين بإذاعة ركن السودان التي تحولت لمسمى وادي النيل، فاسمع منه أسماء ثريا جودت وإيهاب الأزهري والجوهري وفؤاد عمر و آخرين.
ومن المدهش إن معظم إنتاج السر قدور الغنائي والشعري هو نتاج هذه الفترة، باستثناء ثنائياته مع الفنان الكبير إبراهيم الكاشف. معظم أغنيات كمال ترباس المعروفة من بنات هذه الفترة، يا ريت ونسيم شبال وقمر دورين والريد يجمع ويفرق وتاتي تاتي.. الخ. وكذلك أغنياته لفنانين آخرين، حنيني إليك وحليلك يا أسمر من الحان العاقب محمد حسن، ومن غناء محمد ميرغني ونجم الدين الفاضل، وأغنيات القلع وحسين شندي وسميرة دنيا وآخرين.حتی الدراما والمسرح لم ينقطع عنهما وتم تقديم بعض أعماله بالسودان، رغم وجوده بمصر. كذلك ظل السر قدور يرفد إذاعة ركن السودان ببرامج متنوعة حتی بعد تحولها لإذاعة وادي النيل