تعود اليوم الذكرى الثالثة لفض الاعتصام الذي وقع يوم 29 رمضان عام 2019، ذكرى مليئة بالدم والدموع والأحزان، قوات الشعب المسلحة كتبت فصولها واخرجتها وانتجتها ولعبت فيها دور البطولة وشاركها الاداء الشرطة وجهاز الأمن والدعم السريع وجهات أخرى، ذكرى لا تقل فظاعة عن ذكرى المجازر العالمية التي سجلها التاريخ، بل هي اكثر بشاعة لأن الفاعل فيها الاجهزة الأمنية الوطنية المنوط بها حماية الشعب، وعلى رأسها الجيش الذي استجار به الشعب وهو يحسن فيه الظن ليكتشف انه كمن إستجار بالرمضاء من النار.
جريمة فض الاعتصام قُتل فيها مجموعة كبيرة من شباب الوطن غدرا وأصيب آخرون جسديا ونفسيا، وفي الحقيقة هي ارتكبها العسكر مع سبق الاصرار والترصد، قاصدين قتل حلم الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية يعود فيها العسكر إلى ثكناتهم، والغريبة أن القوات المسلحة لم تهتم بانعكاسات الجريمة عليها، فقد عماها الطمع في السلطة من ان ترى حتى مصلحة نفسها .
ذكرى فض اعتصام القيادة ستظل الذكرى الأكثر ألماً ومرارة في تاريخ السودان، وهي أقوى ضربة يتلقاها شعب من جيشه، ضربة لا يمكن أن يتوقعها احد مهما بلغ به سوء الظن في جيش دولته، لعمري انها أنكر جريمة في التاريخ الذي لم يذكر أبدا أن هناك مؤسسات عسكرية غدرت بشعبها وهاجمته كالعدو وتشفت منه مثلما فعلت المؤسسات العسكرية السودانية مجتمعة في ذلك الصباح، وليت العسكر كانوا شجعان بما فيه الكفاية واعلنوا الحرب ضد الشعب جهرا وبشرف ولم يتواروا خلف الأكاذيب والتبرير واللف والدوران وهم يرتجفون خوفا من كل ذكرى شهيد تمر فتجعلهم يحبسون انفساهم.
منذ أن قام تحالف المؤسسات العسكرية بفض الاعتصام وحتى الان ما زال قادتها ينكرون الجريمة التي يثبتها ارتباكهم قبل الادلة الدامغة، وليس من دليل براءة الا أن يثبتوا أن الارض تنبت أسلحة وجيوش تقاتل الشعب وأنهم لم يغادروا ثكناتهم التي ما دخلوها الا ليستعدوا لمحاربة الشعب .
كان بإمكان تحالف المؤسسات العسكرية الذي غدر بالمعتصمين السلميين أن يحافظ على سلامتهم خاصة وان البلد تمر بمرحلة تاريخية مهمة، ولكنهم لم يفعلوا لانهم يريدون لهذه البلد ان تبقى بيدهم وبهذا الشكل الذي يناسبهم، ولذلك لم يتوقفوا حتى الآن من ارتكاب المجازر، حتى لا يأتي يوم الحساب، بل ارتكبوا جريمة الانقلاب في أكتوبر الماضي ليحموا أنفسهم بتواجدهم في السلطة غير مهتمين بخلق أزمة اضافية اكدت تربصهم بأحلام الشعب وتطلعاته، لذلك مشكلة السودان الحقيقية اليوم تكمن في وجود الجنرالات الخمسة على سدة السلطة، فقد رهنوا السودان كله لخوفهم من مواجهة حقيقة فض الاعتصام التي يسعون إلى تأخيرها.
ما زال قادة الانقلاب الذين فضوا الاعتصام ينكرون الجريمة باصرار عجيب، ويتملصون من المسؤولية التي كان يجب عليهم تحملها حتى ولو وقعت صاعقة من السماء وقتلت المعتصمين، ولكن عدم احساسهم بالشعب وبفداحة ما يرتكبون من جرائم جعلت الشعب يستخدم معهم كل الأسلحة السلمية، وهو يتحمل الحزن والألم بثبات ليذكرهم ويجعلهم يعيشون في رعب وخوف من العدالة وهي آتية لا محالة فكما يقال (كاتل الروح ما بروح).