تجري الأن وليس ببطء عملية تصنيع (مستبد) جديد للدولة السودانية ، كإضافة للطغاة الذين رفدت بهم المؤسسة العسكرية التاريخ السياسي للبلاد .
ورغم صرخة الميلاد التي أعلنها التوم هجو وسط حشد من (القابلات) فيما عرف باعتصام (القصر) والذي عرفته السخرية الشعبية ب(اعتصام الموز) حين قال قائلها (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع ) إلا أن الجنرال عبد الفتاح البرهان لديه إستعداد فطري ويحمل جينيا عجينة الدكتاتور .
لا يوجد تاريخ سياسي يؤكد طموحاته العلنية في الوصول للسلطة سوي ذلك الحديث المتداول بأنه قد خان رفاقه حينما أوشي بزملائه الضباط في مارس 1990 في محاولة انقلابيه أودت بحياة 28 ضابطا في رمضان وفق محاكمات عسكرية متعجلة حيث نجا البرهان بحيلة ما، ولينغمس بعدها بولاء متطرف لخدمة طغمة الانقاذ يمحو به ذلك التوجس الذي قد يثير حوله الشكوك ، وهذا ما أثبته عمليا في ميادين القتال طوال ثمانية عشر عاما قضاها في دارفور ،حيث إرتقي بنفسه عصابيا رباٌ للفور وحارسا للحدود .
في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 غدر البرهان بثورة ديسمبر حينما سرق شعاراتها دون عناء وخجل ليعلن نفسه قائدآ ل (تصحيح المسار) وليجتزئ من الوثيقة الدستورية ما يوافق هواه وألقي بشركائه في الحكم في السجون بدم بارد ودون ذاكرة زملاء في العمل ومن ثم إنطلق ليؤسس للبرهان الحاكم الذي
يتطلع لحكم السودان بشرعنة إنقلابية وإنتخابية لاحقا مستعينا بالتناقضات السياسية والقوي الإقليمية ومخاوفها ، وتلك التربة السياسية الزلقة التي تترنح عليها ديمقراطية وليدة بعد ثلاثون عاما من حكم عسكري اتخذ من الاسلام السياسي درعا قتالية في واقع من البؤس والفقر والجهل والمرض.
المقدمة الأولية لذلك الدكتاتور المستبد وهو في طور الشرنقة يبدو جليا في تلك الشخصية (السيكوباتية) لذلك الجنرال ، وهو يعمل بجهد لا يحسد عليه لحفر أخدود بين الجيش كمؤسسة وطنية خادمة للشعب وبين الشعب ونشهد ذلك في خطاباته التي يضخها في المناسبات التي تجمعه بجند المؤسسة العسكرية ولعل هذه المقتطفات تعيننا في رصد أبعاد ذلك المشروع الاستبدادي ( مافي زول وصي علي البلد دي غيركم ) (مافي زول بيزايد علينا ) (الجيش والدعم السريع بيحرسكم في الحدود وأنتو نايمين) (نحنا مستهدفين عشان لابسين الكاكي ) (أي زول لبس الكاكي مع مصلحة السودان ) تلك مجرد ملامح بائسة لخطابات ذلك البرهان وهو دائما ما يمد ذراعه قابضا لكفه بصورة عصابية تحتشد بتفسيرات نفسية عدة تتيحها لغة الجسد .
البرهان لا يحتمل و يخشي التجمعات الشعبية وهو يتقوقع دائما في حشود متواضعة للإدارات الأهلية ، أو الطرق الصوفية ويتحاشى تماما التجمعات ذات الطابع المدني العفوي .
يمكن القول إن البرهان يضمر عداوة وكراهية لل(الشعب) ، بعد أن أعلن انقلابه علي الفترة الانقلابية قام ببناء حواجز أسمنتية عازلة بين مجمع القيادة العامة في وسط الخرطوم و الساحات والطرق المحيطة بها ، فهو لايطيق ذكري تلك الانتفاضة وذلك الاعتصام أمام القيادة العامة الذي جاء به وطغمته كشركاء لحكم الفترة الانتقالية، وتؤرقه جدا هتافات الثورة وذلك العمل المقاوم لاستكمال مهامها .
وإمعانا في عزلته جعل من مناطق في وسط الخرطوم مناطق محرمة للتجمعات الجماهيرية، ويعلم الجميع ذلك العنف والتقتيل وبمختلف الوسائل لحجز صوت الجماهير الهادرة من الاقتراب لقصر الرئاسة البرهاني .
والبرهان هو أول من أستخدم الحاويات لاغلاق الجسور والطرق في الخرطوم لصد المتظاهرين من المدن الثلاث(أمدرمان،بحري، الخرطوم،)للالتقاء عند مقرن النيلين للاحتجاج والمطالبة بمدنية الدولة .
نحن أمام ذلك المستبد العاجز في طور النمو والذي يحاول إلغاء كل الإنجازات الوطنية التي صنعتها ثورة ديسمبر والاكتفاء فقط بمشروع يحمله لسدة الحكم محاطا بالرعاع والمنافقين والفاسدين الحالمين بانتخابات متعجلة مزيفة ولتتم سرقة ديسمبر الشعبية وبنجاح.
يبدي البرهان كابوسا من الرعب بالديمقراطية والحريات وها هو يعد من خلال معاونيه في السلطات القضائية قانونا يجرم كل من يقذف أو يحط من شأن الذات البرهانية ، وكذا تتخلق تلك الشخصية السيكوباتيه في طريقها نحو المجد الزائف .
وتأسيسا علي حلم أبيه في ذلك النمط التربوي الذي أوحي اليه في طفولته فهو يستبق التاريخ كما يتصور ليحيل تلك الأحلام الي واقع ،مبتدرا ذلك بشلالات دماء الشهداء والزنازين والإخفاء القسري للناشطين .
يبدو ذلك الجنرال البارد طيني الملامح ، وهو يجهد نفسه في سرقة الثورة السودانية ، ولم لا فقد سرقت احلام الجماهير في تونس وليبيا واليمن وفي التاريخ البعيد والقريب والسودان ليس استثناءْاً كما يظن .
البرهان يعاني من وسواس الفرعون القهري(بذبح الغلمان) ونحن نلحظ آلته الوحشية تحصد أرواح الشباب المقاومين بعد تنميطهم بقصة الشعر أو تلك الرشاقة الثورية والبهاء الثوري الباذخ .
ولا يساوره أي شعور بالذنب في تصفية ملامح الثورة وإسترخاص دموع أمهات الشهداء وعذاب ًذوي المفقودين .
مشروع البرهان في استبدال مشروع الثورة بمشروع شائه يخدم نزوعه النفسي نحو بناء الذات المتوهمة ليس حالة فردية ولكنه مدعوم بعديمي الخيال والشاردين من المصحات النفسية السياسية وهو لن يكتب له النجاح لانه وببساطة مشروع في حالة تعب ورهق وفي ساحة نشطة تزدهر بالوعي والروح الوطنية المتطلعة الي وطن أفضل وليس تقوقع في ذات مضطربة وروح قلقةلا تمتلك حلا أو تصور علمي وعملي لبناء دولة عصرية تستجيب لأحلام أو لئك الشباب الذين يسترخصون دمائهم من أجل واقع سياسي قائم علي منصة الحرية والسلام والعدالة، وليس قائما علي نزوة شخصية وطموحات التقوقع في الذات (الأنا) كالذي نشهده في البرهان وحملة المباخر فاقدي الموهبة والخيال الذين يمهدون له طريق الإستبداد ولذواتهم مدفوعة الأجر من ثروات البلاد وبلا رقيب أو عتيد .
musahak@hotmail.com