قائد الانقلاب والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، قام بتقديم خطاب للشعب السوداني بمناسبة عيد رمضان، وكان مليئاً بكل معاني العجز والاحباط والفشل الذي حققه الرجل خلال ستة شهور عجاق، ادخل خلالها السودان في أزمة قاسية دون أن يشعر بالذنب أو يرف له جفن، ظهر الأمر في ملامح وجهه التي تميزت بجمود مقلق يشرح كل شيء، إذ يقولون إن وجه الانسان يعكس مشاعره، ومن يقرأ ملامح البرهان يشعر بالقلق والتشاؤم على مستقبل السودان.
الغريبة مازال قائد الانقلاب يملك الجرأة و(قوة العين) التي تجعله يصر على أن جريمته النكراء تصحيح مسار وليس انقلاباً، ويصور الجيش بأنه شريك في الثورة واهدافها التي ظل يحاربها بشراسة، فقد قال نصاً: “منذ تفجر ثورة ديسمبر 2019 واكتمالها بانضمام الجيش، ظل يعمل من أجل تحقيق آمال وطموحات بناء سودان الحرية والسلام والعدالة”… “إلا أن الخطى تعثرت وتباعدت الموافق وأصبحنا في حالة من التجاذب والتنافر وعدم قبول الآخر، وانعكس ذلك سلبا على مجمل الأوضاع في البلاد مما عرض مستقبلها للمخاطر”.
بدلاً من أن يعترف بجريمته ويتراجع عنها، لأن هذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ السودان، يصر على المكابرة. ولا أدري لماذا يشكو ويتباكى على حال البلد وهو من يصنع العقبات لتتعثر الخطى وتتباعد المواقف، ويدفع السياسيين للتجاذب والتنافر بسبب التمييز بين المجموعات، يقرب بعضها ويظهر لها الحب ويرعاها ويصرف عليها، وفي نفس الوقت يرفض أخرى ويبعدها ويتآمر عليها ويظهر لها الكراهية، بل ويبذل كل جهده في ذلك لتحقيق متعة غريبة، كذلك هو من عرض البلد وشعبها للمخاطر، وهو من يعمل بجد وحرص على اغتيال السلام والعدالة.
قائد الانقلاب نفى، كعادته، أن يكون قد قام بتنفيذ انقلاب عسكري، ومصرّ أن جريمته هي إجراءات لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، متعهدا بـ”تسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني، وهنا يظهر عناده واصراره على استمرار العسكر في السلطة ليبقى هو رئيسا، فهو يضع امام الناس حلين يحددهما هو بنفسه رغم أنهما ليسا الحل الامثل، لانه من المستحيل أن يتحقق التوافق في ظل نظام مبني على سياسة فرق تسد، التفاوض في قاموسه مساومة وابتزاز، والانتخابات فرصة جديدة للفوز بالسلطة لان الظروف غير مناسبة لانتخابات شفافة ونزيهة والخاسر هو الشعب والوطن ولكن هذا لا يهمه.
البرهان جدد الدعوة لكافة المكونات المجتمعية والأحزاب السياسية ولجان المقاومة وشباب الثورة بأن يتساموا ويتوحدوا ويترفعوا فوق الخلافات ويضعوا الوطن وشعبه موطن التقديس من أجل التوصل إلى صيغ وحلول عملية تراعي مصالح الدولة وشعبها، وهو هنا يريد من الشعب أن يسكت عن حقه وعن القتلة والفاسدين ويسمح لهم بالبقاء في السلطة بلا حساب ولا عقاب، والبرهان في خطابه لم يترحم على الشهداء ولم يتحدث عن جريمة فض الاعتصام ولا عن القمع والقهر والفوضى التي عمت البلد، كما تجنب الحديث تماما عن محاربة المفسدين والعدالة التي يذبح فيها كل يوم امام الشعب كما تذبح البهائم، ومن دون العدالة يستحيل التوحد والتسامي والترفع فوق الخلافات.
خطاب قائد الانقلاب هو شهادة على نفسه واعتراف صريح بأنه فاشل وعاجز ومكابر، وقد أعاد إلى اذهان الناس خطاب حمدوك العام الماضي في نفس المناسبة، كان خطاباً مليئاً بالأمل والتفاؤل، وقد رسم صورة زاهية لمستقبل السودان وأكد إمكانية تحققها بالدليل، اتمنى ان يستمع الناس للخطابين ليعرفوا فرق الحاكم عندما يكون عسكرياً (متشبك) في الشئون السياسية والمدنية والتنفيذية التي ليست من شأنه، مقارنة بحاكم مدني واعي يحترم الشعب ويسعى للتعاون معه والسلطة بالنسبة له مجرد وظيفة عادية، وأعتقد أن ما قاله قائد الانقلاب في خطابه يجب أن يدفع الشعب الى التصعيد السلمي والاصرار على اسقاطه لانه لن يتنازل عن السلطة، فهو يؤكد كل يوم أنه نسخة متطورة من البشير.
عموماً، نحمد الله أن هذا الشعب واعٍ بما فيه الكفاية ويدرك جيدا أن كل ما قاله قائد الانقلاب إنما يصب في تمكين العسكر وافلات القتلة والفاسدين من العقاب ومن ثم فشل الثورة في التغيير والسماح لدولة الحركة الإسلامية والمؤتمر اللاوطني بالعودة من جديد وبشكل أكثر وحشية، وعليه يجب استمرار الضغط بكل الطرق السلمية حتى تنتصر الثورة ويتحقق التغيير كاملاً غير منقوص.