لم يفتح الله على السلطة الانقلابية حتى لحظة كتابة هذا المقال (الساعة الثامنة من مساء أمس الاربعاء 11 مايو، 2022 بعد مرور اكثر من اثنتى عشر ساعة على إغتيال الصحفية (شيرين ابوعاقلة)، بكلمة واحدة لادانة الجريمة الوحشية ولو بأكثر العبارات ضبابية، خوفا من اسرائيل أو انتظارا لتعليمات من سادتها فى الخارج، وهى ما اعتادت عليه فى كل الاحوال والظروف والشؤون عدا بالطبع قتل المتظاهرين السلميين، فالتعليمات هنا ثابتة والاذن مفتوح بالقتل والقمع والدهس والاغتصاب والنهب، ثم اطلاق الاكاذيب وإدعاء أن من فعل ذلك هو (الطرف الثالث)، وهو نفس التبرير الذى استخدمته سلطات الاحتلال الصهيونى أمس بعد إغتيال الشهيدة شيرين حيث إدعت فى بادئ الأمر أنها قُتلت برصاص عشوائي لمسلحين فلسطييين بدون ان تُلقى القبض عليهم او تسعى وراءهم او تعطى تفسيرا مقنعا للتبرير الذى تراجعت عنه لاحقا وأدعت انها قُتلت برصاص مجهول أو (الطرف الثالث)، الذى ربما كان شبحاً لا يعرف أحد من أين يأتى ولمن يتبع ولماذا يقتل الصحفيين والمتظاهرين السلميين وحدهم دون الطغاة والانقلابيين إلا إذا كان أحدهم أو معجبا بهم وعاشقا متيماً فى محرابهم!
لم تكن الشهيدة (شيرين) الصحفية الاولى ولن تكون الاخيرة التى تتعرض للاغتيال بواسطة قوات الاحتلال الاسرائيلي، فهنالك اكثر من مائة واثنين صحفيا استشهدوا فى فلسطين المحتلة منذ عام 1972، منهم ستة واربعون فى العشرين سنة الاخيرة من بينهم (ياسر مرتجى) و(احمد ابوحسين) والصحفي الايطالي (سيموني كاميلي) الذى كان فى مهمة خاصة لوكالة (الاسوشيتيد برس) عندما قُتل برفقة مترجمه الفلسطيني في (غزة) عام 2014، بالإضافة الى تعرض المئات للاصابة والاعتقال وغيرها من انواع الانتهاكات، بدون أن يُحاسب معتدٍ واحد على ما ارتكبه من جرائم، وظل هذا هو ديدن الدولة الاسرائيلية حتى يوم أمس حيث ظلت ترتكب الجرائم المتعمدة ضد الصحفيين وتنكرها!
اذكر هنا كمثال فقط محاولة الاغتيال المتعمد لصحفى فرنسي على الحدود اللبنانية الاسرائيلية قبل اكثر من عشرة اعوام، اطلق عليه قناص إسرائيلي رصاصة اصابته فى صدره على بعد مليمترات من قلبه ونجا بمعجزة بمساعدة الاجهزة الطبية الفلسطينية، وظلت اسرائيل تنكر ارتكابها للجريمة حتى هذه اللحظة وتتحدث عن استعدادها لاجراء تحقيق يكشف ملابسات الاعتداء طيلة السنوات الماضية بدون أن يحدث أى شئ، وهو نفس ما رددته امس بعد اغتيال الشهيدة شيرين، ولا شك ان نتائج التحقيق التى تزعم أنها ستجريه للكشف عن ملابسات مقتل شيرين لن يظهر ابدا، كما حدث مع الصحفي الفرنسي ومئات الصحفيين الذين اغتالتهم قوات الاحتلال أو اعتدت عليهم واعتقلتهم ومنعتهم من القيام بواجبهم المهنى، وهى ليست إستثناء، فالكثير من الانظمة السياسية خاصة فى العالم الثالث وبالتحديد فى الدول العربية ترتكب الكثير من الجرائم فى حق الصحفيين، ولقد بلغ عدد القتلى من الصحفيين على مستوى العالم فى العام السابق 45 صحفيا، وهو أقل عدد من القتلى فى غضون العشر سنوات السابقة !
وفى السودان بلغت حالات الاعتداء على الصحفيين والاجهزة الاعلامية منذ الانقلاب المشؤوم للبرهان وربيبه حميدتى وبقية الطغمة العسكرية وسادتهم وأذنابهم فى الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، أكثر من مائة حالة أذكر منها على سبيل المثال اقتحام قوات الانقلابيين لمكاتب قناة العربية والعربية الحدث فى ديسمبر الماضي وتدمير عدد من الاجهزة الحساسة باهظة الثمن والاعتداء على الصحفيين والعاملين بالضرب المبرح من بينهم الزميلان (لينا يعقوب ونزار بقداوى) وسرقة هواتفهم، مما اضطر رئيس السلطة الانقلابية لارسال مندوب للاعتذار للقناة، ولم يكن ليفعل ذلك لولا ملكيتها للسعودية، وزعم ان الذى اعتدى عليها هو الطرف الثالث رغم أن الاعتداء كان منقولا على الهواء!
كما اعتدت قوات السلطة الانقلابية فى نفس اليوم على قناة الشرق الخاصة، واقفوا البث المباشر وقطعوا الانترنت وصادروا عددا من الاجهزة، وطال الاعتداء مكاتب قناة سكاى نيوز وعددا كبيرا من الصحفيين فى وقائع منفصلة فى اليوم نفسه ومن بينهم الزميلتان (سالي عثمان ومها التلب) مما يدل على ان الاعتداء على اجهزة الاعلام والصحفيين امر ممنهج وصادر من جهات عليا، وليس تصرفا فرديا كما تزعم السلطة الانقلابية التى لن تتوقف عن ارتكاب جرائمها الوحشية ضد الصحفيين والاطباء والممرضين والمرضى داخل المستشفيات والمتظاهرين المسالمين وحتى المواطنين الابرياء داخل منازلهم وانكار الجرائم ونسبتها لطرف ثالث كما يحلو القول للبرهان وربيبه حميدتى، إقتداءً بحليفتهم إسرائيل وسادتهم فى محور الشر !
رحلت الشاهدة والشهيدة (شيرين ابو عاقلة)، كما وصفتها الدكتورة مريم الصادق، ورحل قبلها الاف الصحفيين، وسيرحل بعدها الملايين، ولكن ستظل مهنة الصحافة والصحفيين شوكة سامة فى خاصرة القتلة والفاسدين، وسيفا لا ينكسر ولا يلين!