عندما كنا في المرحلتين الابتدائية والوسطى، كانت جميع كتب القراءة والمطالعة مزينة برسومات بديعة ل”قريزلدا الطيب”، وكنا نعجب لغرابة الاسم، ثم دخلنا جامعة الخرطوم وعرفنا بروفسر عبد الله الطيب وتتلمذنا على يديه، وعرفنا ان قريزيلدا تلك هي زوجته، ثم ونحن في السنة الثالثة في كلية الآداب فوجئت ذات يوم بسيدة “بيضاء” أكبر منا كثيرا في السن تجلس بجواري، وتقول انها قريزلدا وأنه تم قبولها في المستوى الثالث كطالب ناضج mature student كما كان معمولا به في الجامعة من حيث قبول المتقدمين في السن الذين لهم إنجازات ملموسة في الحياة العملية او الأكاديمية
كانت قريزلدا تتمتع بروح طفولية، وأذكر ان مستر ماكراي كان يدرسنا الشعر الميتافيزقي الإنجليزي، وقلت لها إن هذا اللون من الشعر سخيف وثقيل على النفس فوافقتني الرأي، وقالت لي: نسمع وندرس “أكل عيش”، وقصدت بذلك اننا مجبورون على الاستماع بغرض عبور الامتحانات، وذات محاضرة لماكراي لفتت قريزلدا انتباهه لأنها لم تكن تستمتع لما يقول ومندمجة “تشخبط” على ورقة أمامها، ورغم ان ماكراي كان مهذبا جدا إلا أنه صاح فيها مستاء: هاي ماذا تفعلين؟ فمدت اليه الورقة وإذا بها قد رسمت ماكراي بقلم الرصاص، وكأنها التقطت صورة له بكاميرا ابيض واسود، فسقط فك ماكراي من الدهشة والسرور
جاءت قريزلدا مع بروف عبد الله الى السودان في خمسينات القرن الماضي وظلت رفيقة رحلته حتى وفاته في يونيو 2003، وطوال السنوات الماضية ظلت قريزلدا حريصة على زيارة أهل زوجها في الدامر في الأعياد والمناسبات العامة، وقبل ساعات أسلمت قريزلدا الروح وتم دفنها الى جوار زوجها في مقابر حلة حمد في بحري، وكانت الفقيدة قد حجزت قبرا مجاورا لقبر بروف عبد الله منذ يوم دفنه قبل 19 سنة
كان أهل قريزلدا معترضين على زواجها من طالب افريقي ولكنها أصرت على الزواج وقدمت معه الى السودان في الخمسينات وصارت عونا له تهيء له أجواء التأليف وتشرف على طباعة كتبه، ولم يجبرها عبد الله الطيب قط على الإسلام وترك الأمر لها فأشهرت إسلامها في عام 1976، وبعدها اختار لها زوجها اسم “جوهرة الطيب”
رحم الله الحبيبة قريزلدا فقد كانت بنت بلد وسودانية حتى النخاع، وساهمت باقتدار في أنشطة تربوية وتعليمية على مدى نحو ستين سنة