توفيت صباح الجمعة ٢٠ مايو السيدة جريزلدا أرملة العلامة عبد الله الطيب.
لا أنسى مرافقتي لهما من المزدلفة سيرا على الأقدام حتى الجمرات.
كنا في أوائل الثمانينيات الميلادية، عندما التحقت بمخيم خاص بجمع من السودانيين؛ ويتولى تنظيم المخيم وتقديم الخدمات فيه السودانيون المقيمين في السعودية، وكثير منهم طلاب دراسات عليا في الجامعات السعودية.
بروفيسور عبد الله الطيب أعجب جدا بقراءة زميلنا الخضر عبد الرحيم في الصلاة وكان يقرأ بورش. عقب الصلاة قدم الطيب درسا رائعا عن قراءة ورش.
عند وصولنا إلى المزدلفة، آثر كل الحجاج أن يكتفوا بمقدار حط الرحل، وركبوا السيارات إلى منى.
آثر عبد الله الطيب المبيت في مزدلفة واستئناف السير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان لزاما على أحد شباب المخيم أن يبقى لمرافقتهما. وجدتها فرصة لصحبة هذا العالم الفذ، فقلت لأمير المخيم أنا باق معهما.
رقد عبد الله الطيب وعلى مقربة منه زوجته جريزلدا أو الجوهرة كما سميت بعد إسلامها.
مما لحظته على عبد الله أنه بقي مستيقظا طيلة الوقت، راقدا على ظهره ناظرا إلى السماء ويحك بيسراه على جبهته.
صلينا الفجر وأتيتهما بكوبين من القهوة، وانطلقنا نحو منى.
كان رحمه الله يشرح عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج، ولما جئنا في أرض منخفضة قال: هذا وادي محسر، وعلينا أن نسرع الخطى لأنه المكان الذي حسر فيه فيل أبرهة.
بقينا نمشي حتى وصلنا الجمرة، فرميناها وأخذنا طريقنا إلى المخيم.
بعد سنوات التقيت عبد الله الطيب في إذاعة أم درمان، فتفاجأت به يخرج من حقيبته خطابا مكتوبا بخط يده يشكر على تسلم رسالتي للدكتوراة في مجمع اللغة العربية.
أعدت لأستاذنا الطيب ذكرى مسيرنا من مزدلفة، وقلت له: أنا ذلك الفتى الذي تشرف بصحبتكما.
رد بعربيته الفصيحة: أهذا أنت؟!
رحم الله عبد الله ورحم الجوهرة. المرأة البريطانية التي أحبت أرض السودان، عاشت فيه، ودفنت فيه جوار زوجها بضريح مشترك.