وداعا جَدِّي المنتحل (العبّاس)
دكتور الباقر العفيف
( عمل في منظمة العفو الدولية بلندن وخبيرا بمعهد السلام الأمريكي وأستاذاً لعلوم الشرق الأوسط بجامعة ميتروبوليتان في مانشستر):
لي فرضية في أمر هوية السودانيين المنحدرين من على ضفاف النيل بوجه عام، وقبائل الشايقية والرباطاب والجعليين على وجه الخصوص، ممن فقدوا لسانهم النوبي وتبنوا العربية كلغة أم، بأنهم نوبة مستعربون. أي أنهم ليسوا عربا كما يدّعون، وأنه لا تجري في عروفهم دماء عربية، وأن جَدَّهم العباس جَدٌّ مُنتَحل. وأنَّهم قتلوا جَدَّهم الحقيقي (النوبي) قتلاً معنوياً ورمزيا، وتبنوا جَدَّا بديلاً عنه، هو العباس ابن عبد المطلب. وقد رددتُ جميع مشاكِلِنا السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية لهاتين العقدتين بالذات. ونحن السودانيون الشماليون، لا نقبل أنفسنا كما هي ولا نتصالح معها. ولا نريد أن نكون سودانيين وكفى، ولا نريد أن تمتد جذورنا داخل حدودنا مع النيل الخالد، ولا نريد أن نعانق الاهرامات التي بناها أجدادنا الحقيقيون الذين أنكرناهم
بما إني رباطابي من جهة أبي المتحدر من (الجزيرة أَرتُل قرب الشِّرِيْك) وجعلي من جهة أمي المتحدرة من (نواحي كبوشية وكَلِي)، ووفق الأسطورة الشائعة فمن المفترض أن أكون عربيا من جهة الأب وجهة الأم. وأن يفيض جسدي بالدماء العربية “العباسية المباركة” رغم أنف سحنتي النوبية، فماذا كانت نتيجة فحص الحمض النووي؟ تهيأوا أيها القريشاب والشارباب، وأصيخوا السمع:
أنتم أحباش كوشيون نوبيون شرق أفريقيون ولستم عربا أيها الجعلتية. أتصوركم تقولون :” بالله قوم كده بلا جينوم بلا كلام فارغ! حرَّم عباسيين ولو كره “الكافرون” بأشجار الأنساب؛ عباسيون غصبا عنك وعن علوم الخواجات “الكضابة”. الآن دعونا نفحص النتيجة:
إن نسبة جيناتي المنتمية لأفريقيا جنوب الصحراء هي ٩٧.٩ ٪ وهذه منها ٩٦.٨٪ تنتمي لشرق أفريقيا. وبالطبع نعرف أن هناك تداخل كبير بين ممالك النوبة القديمة مثل كوش ومروي وممالك الحبشة القديمة مثل بنط وأكسوم. فنحن في الحقيقة شعب واحد من الناحية الجينية ولكن تعددت لغاتنا وأدياننا. أما بقية الجينات المتبقية العالقة بشجرتي النوبية فتبلغ ما مجموعه ٢.١٪. وهذه موزعة بين ثمانية أقسام تفصيلها كالآتي: جينات تنتمي لغرب أفريقيا وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تعتمد على الصيد والجمع زي الأقزام Pygmies وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تقطن جنوب الصحراء بشكل عام وجينات تنتمي لغرب آسيا وشمال أفريقيا وجينات تنتمي لشمال أفريقيا والجزيرة العربية بنسبة ١.١٪ (واحد فاصل واحد في المائة). وجينات أوروبية محددة. وجينات أوروبية بصفة عامة وجينات غير مصنفة بعد بنسبة 0.08%
وهكذا يضع العلم حدا للأسطورة. وقد يحسبَ البعض أن في قولي هذا تقليل من شأن العرب والعروبة، وإعلاء من شأن الأفارقة والأفريقانية، في حين أنني أؤمن إيمانا راسخا أن الناس كلهم سواء لا يتفاضلون إلا بالقيمة والنبل والأخلاق. إنني أدعو فقط أن نكون “نِحْنَ يانا نِحْنَ.. ما غيرتنا ظروف ولا هدتنا محنة”. أي أن نكون كما خلقنا الله، وألا نحاول تبديل خلقه، وانتحال خلق آخر غيرنا.. وألا نقيس أنفسنا بمعيار خارجنا، وأن نكون ممتنين كوننا أصلاء في هذه الأرض التي يباركها النيل سليل الفراديس.. وأن نستعيد آباءنا النوبيين رواد الحضارة الإنسانية. وأن ننفض عنهم تراب القرون، ونعتذر لهم ونكرمهم ونفخر بهم.. وأن نرعى إرثهم الذي أورثونا لأنه ميراثنا أبا عن جد. فإهمالنا للتاريخ والآثار النوبية والكنوز المعرفية التي تركوها لنا إنما هو ناتج عن نكراننا لأصولنا بينما الشخصية الزائفة عبارة عن قشة في مهب الريح، تتجه أنى اتجهت الريح.. شخصية هشة، إمعة، تابعة ورخيصة.
(بالمناسبة نسبة الخطأ في الحمض النووي DNA أقل من واحد على العشرة تريليون)
(يللا العرب في الهجوم والعجم في الدفاع)