كارثتان أصابتا الإقتصاد السوداني في مقتل وكان خلف كل منهما نظام عسكري متسلط إنقلب على الفترة الديمقراطية التي سبقته.
الكارثة الأولى: قرارات التأميم والمصادرة التي اتخذها نظام مايو في يوم 25 مايو 1970م بعد عام واحد من الإنقلاب العسكري الذي اطاح بفترة الديمقراطية الثانية.
الكارثة الثانية: قرارات التحرير الإقتصادي وابرز آلياته الخصخصة، والتي اتخذها نظام الإنقاذ بداية التسعينات من القرن الماضي بعد ان اطاح بفترة الديمقراطية الثالثة.
وصفنا لهذه القرارات ب”الكارثة” في الحالتين ليس لعلة فيها كمعالجات اقتصادية معروفة لجأت اليها دول اخرى غيرنا وفي ظروف مختلفة، فأصابت بعض النجاح وكانت نتائجها افضل، ولكن لأن ما حدث في السودان في الحالتين تميز بخصائص جعلت نتائج هذه القرارات ” كارثية” وافضت مجتمعة لمشكلات وآثار سالبة ما زال الاقتصاد السوداني يعاني منها.
فقد تميزت تلك القرارات في الحالتين: بعدم دراسة الوضع الإقتصادي في البلاد بموضوعية، وعدم الأخذ بالظروف الاقتصادية السائدة قبل اتخاذ تلك القرارات ومن ثم التهيئة لاتخاذها بصورة تضمن نتائج ايجابية، كما تميزت القرارات في الحالتين بغلبة الدوافع السياسية التي كانت وراء اتخاذها اكثر من حقائق الواقع والظروف الاقتصادية في البلاد، كذلك تميزت القرارات في الحالتين بالعجلة والسرعة في التنفيذ، وايضا اتساع نطاقها وشمولها لكل القطاعات الانتاجية والمالية والخدمية، وتميزت بقصر المدة التي اتخذت وتم تنفيذها فيها، إلى جانب عدم توفر الكوادر المتخصصة والمدركة لمتطلبات تنفيذ القرارات بالصورة التي تضمن تحقيق النتائج المرجوة منها. وتميزت الحالتان بعدم توفر الإطار التشريعي والقانوني الملائم لاتخاذها برغم خطورتها وآثارها على مجمل الحركة الاقتصادية في القطاعات المختلفة وعلاقات البلاد الاقتصادية الداخلية و الخارجية، وإلي غير ذلك من الخصائص المشتركة بين قرارات مايو (التأميم والمصادرة) وقرارات الإنقاذ (التحرير الاقتصادي/ الخصخصة).
يصادف اليوم ذكري ما عرف بثورة 25 مايو 1969م وقد مرت 52 عاما على قرارات التأميم والمصادرة التي التي تم اتخاذها في الاحتفال بالذكرى الأولى للانقلاب في 25 مايو 1970م.
كنت قد اعددت كتابا يتناول تلك القرارات بعنوان ( 25 مايو – التاميم والمصادرة – قرارات زلزلت الاقتصاد السوداني ) إجتهدت فيه لتدوين ما تيسر لي حول تلك القرارات،كفاتحة لدراسات اخرى أكثر عمقا وشمولا. وربما يتيسر لنا في مقبل الأيام دراسة آثار قرارات التحرير الاقتصادي لنظام الإنقاذ.
وبالله التوفيق