باحث أكاديمي وناشط سياسي مستقل
مسوّدة مبدئة لم تخضع للمراجعة
يمكن مطالعة نسخة منسّقة هنا: http://abdallagafar.com/abdalla/wp-content/uploads/2022/05/protocol-2022-darft-2022-05-30.pdf
(٠) تقديم
بعد ثلاثين عاماً من الحكم الشمولي، ولمّا تلتقط الدولة السودانيّة أنفاسها بعد وتقف على قدميها، إذا بها تنزلق من جديد في مستنقع الانقلابات العسكريّة والحكم السلطوي. بالإمكان تعديد بعض الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها القيادة السياسيّة للثورة فأفضت إلى هذه النتيجة، على رأسها منح شرعيّة غير مستحقّة للمجلس العسكريّ باتّفاق ٥ يوليو ٢٠١٩، وتكرار نفس الخطأ في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١. لكن تظلّ هنالك حقيقة يلزم الاعتراف بها، وهي قصور خطاب الثورة عن بلوغ كلّ أصحاب المصلحة وتطمينهم بمستقبل أفضل. على وجه الخصوص نجد أنّ كلّ الأطراف الحاملة للسلاح، سواء في القوّات النظاميّة أو الميليشيات المسلّحة، ليست ”مؤمنة“ بالتحوّل المدني الذي تدفع به الثورة، أو تقف على الحياد في أفضل الأحوال. كذلك فقد فشلت عمليّة تفكيك النظام القديم خلال العامين السابقين، فنشأت تكتّلات معادية للثورة، استفادت ممّا لديها من قدرات تنظيميّة وأيادٍ نافذة في أجهزة الدولة.
هذا الوضع المعقّد يدفع بالأطراف المختلفة نحو صراعات صفريّة يخسر فيها الجميع، فالدولة السودانيّة اليوم أضعف من أن تتحمّل مثل هذه المواجهات المكلّفة. الأفضل من ذلك بناء رؤية شاملة تقلّل تكلفة التغيير، وتسلك طريقاً آمنا يعبر بالبلاد من هذه المرحلة الحرجة؛ وهو ما نحاول أن نطرحه فيما سيلي.
من خلال هذه المسوّدة ننشد التالي:
(٠.١) رسم خارطة طريق لتتبنّاها وتلتفّ حولها جميع أطراف القضيّة السودانيّة.
(٠.٢) تقديم رؤية سودانيّة خالصة للمخرج من الأزمة، يتبنّاها العالم الخارجي، كبديل للوساطات الإقليميّة؛ باعتبار السودانيّين هم الأقرب لقراءة واستيعاب الواقع.
(٠.٣) تقديم رؤية شاملة وموضوعيّة للحل، وعدم الاكتفاء بتسويات سطحيّة لا تعالج جذور المشاكل.
(٠.٤) منح الجميع فرصة لمراجعة مواقفهم وبدء صفحة جديدة، فطول أمد الثورة جعل الكثير من الأطراف المشاركة تقع في أخطاء كبيرة.
(٠.٥) خلق فرصة لاستيعاب الأطياف التي ظلّت خارج مظلّة الثورة، بطريقة أفضل من أسلوب المحاصصة والترضيات.
(٠.٦) تبنّي مبدأ الشفافيّة وتوضيح الغرض من كلّ قولٍ وفعل.
——————————
(١) الرؤية الإجماليّة
الفكرة الأساسيّة في هذه الرؤية هي حصر وتعديد وتصنيف كلّ الأطراف، stake holders، المؤثّرة المختلفة في معادلة الثورة السودانيّة، دراسة دوافع وخيارات ومخاوف كلّ طرف، ومن ثمّ معرفة أفضل المتاح له وأقلّ المطلوب منه فيما يخدم أهداف الثورة. ستتكرّر في هذه المناقشة الإشارة إلى ”السلطة التمهيديّة“ و”الضامن“، وسنرجئ التعريف بهما إلى أن تتّضح المهام المطلوبة منهما من خلال مناقشة الأطراف المختلفة.
بالنسبة لتلك الأطراف فقد استندت هذه الرؤية على المبادئ التاليّة:
(١.١) لا يمكن تحقيق الاستقرار بدون وضع اعتبار لجميع الأطراف المؤثّرة، بمن فيهم القوّات النظاميّة والميليشيات المشاركة في قمع الثورة، التنظيم المقال الذي قامت الثورة ضدّه، والجهات الخارجيّة ذات المصلحة.
(١.٢) ينبغي تجنّب وضع أيّ من الأطراف المؤثّرة في موضع تهديد كبير ودفاع عن النفس يجعله يستميت في مقاومة التغيير. الأفضل من ذلك تأمين جميع الأطراف، والتفاوض معها على التنازل جزئيّا عن مصالحها ومطالبها.
(١.٣) يُفضّل، ما أمكن ذلك، حصر المعالجات الصعبة في أفراد معدودين يمكن التوصّل معهم إلى تسويات شخصيّة، والتعامل بصورة منفصلة مع القواعد العريضة خلفهم.
مجملاً فالهدف هو الوصول إلى صيغة توافقيّة ترضي الجميع، إلاّ من أبى! وبعد ذلك يمكن معالجة الأطراف الممانعة للتوافق بصورة أسهل.
——————————
(٢) القوى الثوريّة
بطبيعة الحال فليس كلّ الشعب السوداني مشاركٌ في الثورة، لكنّ عدد المشاركين كان كبيرا بما يكفي لاستحقاق التغيير. اعترف جميع السودانيّون وكلّ العالم في النهاية بهذه الثورة، وباركوها، لذا فتحقيق أهداف الثورة لابدّ أن يأتي في مقدّمة أيّ رؤية لحلّ المشكلة القائمة حاليّا في تمسّك المجلس العسكري بالسلطة. الخطوة المهمّة في هذا الاتّجاه هي الفهم الجيّد لمكوّنات القوى الثوريّة، بدلا من التعامل معها كجسمٍ واحد متناسق.
الثوّار
المكوّن الأساسي للثورة السودانيّة هو جيل الشباب، وتعكس هذه الثورة تطلّعات هذا الجيل للعيش في دولة مدنيّة حديثة تتحقّق فيها الحرّيّة والعدالة الاجتماعيّة والسلام، وكلّ القيم الإنسانيّة السامية. أحد محرّكات الثورة بلا شك هو قدرة هذا الجيل على التواصل مع العالم الخارجي، بفضل وسائط الاتّصالات المتنوّعة، وقدرتهم على التواصل فيما بينهم بفضل شبكات التواصل الاجتماعي. هؤلاء الشباب هم أصحاب مطالب التغيير الأساسيّة في هذه الثورة، وهم الذين يقودون المواكب ويحرسون المتاريس ويتلقّون الرصاص.
من المهمّ التمييز بيين الثوّار، على الأرض وفي الأسافير، وبين قوى الحرّيّة والتغيير؛ وإنّ من أكبر المخاطر في هذه المرحلة وضع الثوار في مواجهة هذه القوى التي تمثّل واجهة الثورة، وهو ما يمكن أن يحدث لو قبلت هذه القوى باتّفاق سياسيّ لا يلبّي طموح الثوّار. لن يتراجع الثوّار عن مطالبهم، وحينئذ سيكون لدينا ثورة بدون واجهة سياسيّة، وهو وضع خطر سيقود لحالة ممتدّة من عدم الاستقرار. إذن فالمرجوّ من كلّ الوسطاء استيعاب أنّ أيّ تسوية مع قوى الحرّيّة والتغيير غير مرضية للثوار لن تعالج الأزمة، وستنفجر مجدّدا في وقت قريب.
رغم أنّ كاتب هذه الرؤية من المشاركين الفاعلين والمعروفين في الثورة إلاّ أنّ هذه المسوّدة ليس المقصود منها تمثيل موقف الثوار، ولا هي بديل عن الميثاق السياسي الذي تبنّته مؤخّرا الكثير من مكوّنات الثورة مؤخّراً، وإنّما هي محاولة للتوفيق بين موقف الثوّار وبين بقيّة أطراف المعادلة السياسيّة. إذن فهذه الصيغة ستطرح على الناشطين ولجان المقاومة وكلّ الفاعلين في الثورة للتوافق عليها أو الاستدراك بما يرونه. أهمّيّة مثل هذه الرؤية بالنسبة لرفاق الثورة تكمن في محاولة توضيح الدوافع الكامنة وراء موقف الأطراف الممانعة للتحوّل المدنيّ المنشود، وبيان إمكانيّة وجود حلولٍ توفيقيّة تقلّل تكلفة الصراع الصفري، zero-sum game، الذي يخسر فيه الجميع.
قوى الحرّيّة والتغيير
لا ينبغي التعويل كثيراً على أحزابٍ تعرّضت لشتّى أنواع التمزيق والكبت والتشويه خلال ثلاثين عاماً من الحكم الشمولي، ولا ينبغي لومها كثيراً على إخفاقها في الوصول لرؤية استراتيجيّة جيّدة في الجولة السابقة. وبالمقابل فلا ينبغي لهذه التنظيمات أن تفترض الخبرة في قياداتها، فلمّا نبلغ بعد مرحلة المناورات السياسيّة التقليديّة في البيئات الديموقراطيّة. مازلنا في مرحلة العمل الثوري. فيما يتعلّق بهذه الرؤية فالمطلوب من التنظيمات السياسيّة في هذه المرحلة مباركتها والاستدراك عليها، ومن ثمّ تبنّيها والتوافق عليها كصيغة مرجعيّة مرضية للثوّار – إن كان كذلك. الدور المباشر للتنظيمات السياسيّة هو التوافق على اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، مثلما كان في ٢٠١٩، والاختلاف ههنا في إرجاء هذه المرحلة مروراً بالسلطة التمهيديّة التي سنتحدّث عنها فيما سيلي.
لجان المقاومة
خلفت لجان المقاومة تجمّع المهنيّين السودانيّين في القيادة الميدانيّة للثورة. طبيعة تكوين هذه اللجان تجعل من الصعب بناء رؤيةٍ تفصيليّة من داخلها. الشكل الأمثل هو صياغة هذى الرؤى بصورة مستقلّة، كمثل هذه الرؤية، ومن ثمّ عرضها على لجان المقاومة لقبولها أو الاستدراك عليها أو رفضها.
فيما يلي هذه الرؤية فهنالك أكثر من دور مطلوبٍ من لجان المقاومة:
(٢.١) مباركة هذه المسوّدة إن كانت مرضية لطموح الثوّار على الأرض، أو الاستدراك عليها بما يجعلها كذلك. قبول لجان المقاومة بهذه الصيغة التوافقيّة يعطي الضوء الأخضر لتبنّيها لبقيّة الأطراف، بدئا بالتنظيمات السياسيّة وانتهاء بالدول الخارجيّة والمنظّمة الدوليّة.
(٢.٢) تنظيم مليونيّة ٣٠ يونيو والاعتصام التالي لها لتوفير الزخم المطلوب والغطاء السياسي الذي يمنح الشرعيّة للسلطة القادمة.
(٢.٣) مراقبة أداء السلطة التمهيديّة مع استمرار الاعتصام.
——————————
(٣) المجلس العسكري
《 بعد التورّط في مذبحة ٢٩ رمضان صار بديهيّا أنّه من غير المجدي استصحاب أفراد المجلس العسكري كجزء من الحل. لمزيد من التفصيل:
١. قدّم المجلس العسكري نفسه كصديقٍ للثورة، لكنّ الأمر انتهى إلى أبلغ وأسوأ أشكال الغدر بالثوّار؛ أبلغها لأنّ المجلس العسكري ظلّ حتّى النهاية ينفي نيّته فضّ الاعتصام؛ وأسوأها في الطريقة الدمويّة التي نفّذ بها العمليّة. بات من المستحيل الآن بناء الثقة بين المجلس والثوّار، فالثقة لم تكن موجودة أصلا بالمناسبة.
٢. ميدان الاعتصام لم يكن مجرّد أداة للضغط السياسي كما يعتقد المجلس، بل كان تجسيدا لدولة الحرّيّة والسلام والعدالة التي يبشّر بها الثوّار، وكان مزارا لكلّ الشعب للتعرّف على ملامح المستقبل. لم يكتف المجلس بتفريق المعتصمين، وقتلهم واغتصابهم وإلقاء جثامينهم في البحر، بل عمد بعد ذلك إلى طمس معالم ميدان الاعتصام، مسح الجداريّات، الخ. هذا يعكس بوضوح رفض هذا المجلس لشكل الدولة التي يحلم بها الثوّار.
٣. أفراد المجلس العسكري هم أوّل المتّهمين في مذبحتي ٨ و٢٩ رمضان، ووجودهم في السلطة سيكون معيقا لمجرى التحقيقات.
٤. في كلّ الأحوال فقد أثبت أفراد المجلس ضعف كفاءتهم المهنيّة خلال فترة وجودهم في السلطة، ففشلوا تماما في الدفاع عن أرواح المواطنين في مواجهة عناصر مسلّحة. إذن فهم غير مؤهّلين مهنيّا لقيادة وحدات الجيش نفسه، ناهيك عن قيادة الدولة.
خلاصة ما تقدّم أنّه لا توجد أرضيّة مشتركة للجمع بين المجلس العسكريّ الحالي والثوّار: إمّا المجلس العسكري أو الثورة؛ من غير الممكن الجمع بين الإثنين. وكلّ التفاوضات والوساطات التي تدعو لذلك مصيرها الفشل الحتمي.
تعقّد الوضع كثيرا بعد إقدام أفراد المجلس العسكري على مذبحة ٢٩ رمضان، فقد أحرقوا مراكب العودة، وحصروا خياراتهم بين أن يَحكموا أو يُحاكموا. لكن يبقى هنالك خيارات لمساومتهم كأفراد للخروج من المشهد السياسي، ومغادرة البلاد لتجنّب الملاحقة القضائيّة. هذه الخطوة ستكون بترتيب الجهة الضامنة، والتي سنتحدّث عنها لاحقا. قد يعترض الكثيرون، من حيث المبدأ، على فكرة توفير حماية ومخرج آمن لأفراد المجلس العسكري، لكن حين يكون الخيار البديل هو إقدامهم هم على حماية أنفسهم بالآلة العسكريّة تحت أيديهم فيحتاج الأمر لتفكير. تناقلت الوسائط مثلا خطاباً لوالد أحد ضحايا النظام، يتحدّث فيه عن إستعداده للسماح عن القاتل إن كان ذلك سيحفظ أرواح الآخرين.
الجدير بالذكر أنّ المجلس العسكري حاول كذلك تضييق الطريق أمام خيار المخرج الآمن هذا بسعيه لتوسيع دائرة المتورّطين في جرائمه، فحاول توريط السلطة القضائيّة والنيابة العامّة في شخص رئيسيهما. إذا أصرّ المجلس العسكريّ على السير في هذا الاتّجاه فحينئذ يكون التعامل الأفضل هو إغراء المتورّطين بالحصول على تسويات وضمانات مقابل المساعدة في التخلّص من المجلس العسكري. 》
النص المتقدّم من رؤية كتبت بتاريخ ٢٩ يونيو ٢٠١٩، وقد أثبتت الأيّام صحّة ما فيه. من العبث حقّا البحث عن صيغة تبقى المجلس العسكريّ في السلطة وتضمن التحوّل المدنيّ معاً. بالمقابل فإنّ وضع المجلس العسكري في قمّة هرم الدولة ومنحهم الشرعيّة مكّن أعضاء المجلس من بسط نفوذهم بصورة تجعل تكلفة المواجهة باهظة للغاية. حقّاً، فقد استفادوا من تجربة سقوط البشير، واغلقوا كلّ الثغرات المكشوفة.
الحقّ منتصرٌ لا محالة، ولكن قد ترتفع التكلفة كثيراً وقد يطول الأمد، ومن غير المنظور في المستقبل القريب تأسيس منظومة عدليّة لمحاسبة كلّ المجرمين دون المرور بالمزيد من الجرائم وإزهاق الأرواح. من أجل ذلك فإنّنا نختار الطريق الذي يجنّب المزيد من الخسائر على ذلك الذي يخسر فيه الجميع. وباستصحاب الموجّهات المذكورة في حصر المعالجة وتضييق الدائرة نتقدّم بالرؤية التالية:
(٣.١) الآتية أسماوهم: محمّد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، عبد الوهاب البرهان، وعبد الرحيم دقلو، يمثّلون عقدة في طريق أيّ تسوية سياسيّة، ويلزم استبعادهم؛ يمكن إلحاق جبريل إبراهيم كذلك، حسبما قد يتّفق عليه.
(٣.٢) يتمّ تقديم تسوية ماليّة جزيلة للثلاثة المذكورين، يتم إخراجها في صيغة ”باقة تقاعد“: exit package، تتحمّلها الدولة. المبلغ المقترح مبدئيّاً هو ١٠ مليون دولار لكلّ، بما يضمن حياة مرضية للعيش للفرد وأسرته الصغيرة. هذا المبلغ يعدل حوالي دولار عن كلّ مواطن، وهو أقلّ بكثير من تكلفة وجودهم.
(٣.٣) يتمّ تحميل الثلاثة المذكورين رسميّا مسئوليّة إجماليّة تجاه ”الإخفاقات“ التي حصلت في فترة وجودهم على رأس الدولة، مثل الإخفاق في حماية أرواح المواطنين، ويتمّ الاكتفاء بذلك والتعهّد بعدم الملاحقة القضائيّة.
(٣.٤) نظير ذلك، لأجل المصلحة العامّة ومصلحتهم الخاصّة كذلك، يطلب من المذكورين الابتعاد عن الأراضي السودانيّة لمدّة ١٠ أعوامٍ على الأقل، يسمح لهم بعدها بالعودة.
(٣.٥) يتمّ استبعاد بقيّة أعضاء المجلس العسكري، الفريق العطا والفريق الكبّاشي والفريق الجابر، يتم استبعادهم من المشهد السياسي، ويعودوا للعمل في القوّات المسلّحة، مع التعهّد بعدم الملاحقة القضائيّة.
——————————
(٤) الجيش القومي
طوال سنوات الثورة أظهر الجيش القوميّ ولاءه للشعب السوداني، رغم فشله في حمايتهم من الاعتداء المسلّح. لدينا عدد من الشواهد على ذلك، مثلا:
١. أكثر من مرّة شارك أفراد من القوّات المسلّحة فعليّا في صدّ هجوم ميليشيات النظام على المعتصمين، ووقعت بينهم إصابات ووفيّات.
٢. لم يشارك الجيش في أيّ اعتداء على المواطنين خلال الفترة الأولى للثورة، قبل تمكين المجلس العسكري.
٣. في أيّام الثورة الأولى حصلت مواجهات متكرّرة بين الجيش وميليشيات النظام، في عطبرة، بورتسودان، والسلاح الطبّي.
٤. من الواضح للعيان أنّ المجلس العسكري عمل على تشويه صورة الجيش خلال فترة تمكّنه.
على ذلك نعتقد أنّه يمكن للسلطة التمهيديّة الاعتماد على الجيش القوميّ في بسط الأمن. ما ينقص الجيش هو القيادة الجيدة.
بعد إبعاد المجلس العسكري، كما تقدّم، سيكون من الخطأ بمكان استبداله بقيادة من الصفّ التالي. الاتّجاه نحو قاعدة الهرم سيزيد من صعوبة توحيد الجيش والسيطرة عليه. الاتّجاه الصحيح هو الاتّجاه المعاكس: البحث عن قيادة بديلة للجيش من الصفوف الأقدم. رؤيتنا هي إعادة أحد قادة أركان الجيش السابقين للخدمة ليكون قائدا للقوّات المسلّحة، وعضوا في السلطة التمهيديّة. يتمّ هذا بشكل مهني، وفق اتّفاق مسبقٍ ومهامّ محدّدة ومضبوطة، وحتّى أحد المحسوبين على النظام السابق، مثل كمال عبد المعروف، قد يكون مقبولا للقيام بهذه المهمّة إذا توفّرت فيه المهنيّة المطلوبة. يوجد طرق متنوّعة لاختيار الشخصيّة المناسبة. يمكن مثلا أن يجتمع قادة الأركان الأخيرين (كمال عبد المعروف، عماد عدوي، حاج احمد الجيلي، الخ) ليختاروا أحدهم لأداء المهمّة. يمكن كذلك عرض المرشّحين للتصويت داخل القوّات المسلّحة. نجاح هذه الخطّة يعتمد بشكل كبير على طريقة صياغتها وعرضها.
ينبغي أن يكون مفهوما أنّ هذه المهمّة تكليف احترافي يرتبط بمهامّ مضبوطة بإعلان دستوري، كما ينبغي أن يكون مفهوما أنّها مهمّة ملزمة على من يقع عليه الاختيار، يفرضها قسم العسكريّة في حماية الوطن. المهمّة الأساسيّة لقائد الإركان المختار هي استعادة مهنيّة القوّات المسلّحة ومعالجة الخلل الكبير الذي حصل في حقبة حكم البشير.
——————————
(٥) الدعم السريع
بطبيعة الحال فوجود قوّات الدعم السريع مهدّد مباشر لاستقرار الدولة المنشودة، كما ثبت الآن في ضلوعها في محاولة وأد الثورة. التفكير التلقائيّ يقود نحو استيعاب هذه القوّات في الجيش النظامي، لكن النظرة الثانية تكشف مشكلة أعمق. رغم كلّ الفظائع التي ارتكبتها هذه القوّات، دعنا نلاحظ التالي، بالنظر لصغر أعمار أفراد هذه القوّات، ولتركيبتهم العرقيّة: يقدم هؤلاء الشباب على ارتكاب الفظائع، من قتل واغتصاب، بدمٍ بارد، في الوقت الذي نرى فيه شبابا متمدّنا، في نفس عمرهم، ويشاركهم نفس البلد، يقود واحدة من أعظم وأسمى الثورات. هذا يجعلنا نعيد النظر في هذه المجموعة، إذ ينبغي التعامل معها كضحايا لدولة فاشلة في العهود الماضية، ومجرّد استيعابهم داخل المؤسّسة العسكريّة يعمّق هذا الفشل.
على ضوء ما تقدّم، فرؤيتنا لمعالجة مستقبل قوّات الدعم السريع هو تبنّي نوع من التمييز الإيجابي لإعادة تأهيلهم وتوظيفهم في مشاريع تنمويّة حقيقيّة. تكلفة مثل هذه المشاريع تفوق قدرات الدولة السودانيّة الحاليّة. الراعي المقترح هو الاتّحاد الأوروبي، حيث يمكن تجميع الدعم والتبرّعات من الأفراد والحكومات بدعوى أنّ الاتّحاد الأوروبي شارك، للأسف، في صناعة وتمويل هذه القوّات، وهي من المسائل التي بدأت تجذب اهتمام الرأي العام الأوروبيّ المتابع للقضيّة السودانيّة. السلطة التمهيديّة يمكنها توقيع الاتّفاقات المطلوبة للمشاريع التنمويّة المذكورة. في المقابل تلتزم السلطة التمهيديّة بتعهّدات النظام السابق في مكافحة الهجرة غير الشرعيّة، لكن هذه المرّة باستخدام قوّات من حرس الحدود أكثر تأهيلا لهذا الدور.
النص المتقدّم من الرؤية المقدّمة في يونيو ٢٠١٩. خلال هذه الفترة حصلت متغيّرات كثيرة، دفعت بقوى الثورة لتبنّي شعار ”الجنجويد ينحل“. مرّة أخرى فنحن نحتاج لعمق النظرة الثانية، ومحاولة فهم دوافع هذه القوّات. والأمر لا يحتاج لتفكير عميق، فالقوى المدنيّة تتزدري هؤلاء وتتوعّدهم بالتسريح والتشريد، وحميدتي يردّ اعتبارهم ويرفع مقامهم ويوفّر لهم المال والسلطة، فما الذي نتوقّعه منهم؟ نجاح الثورة ينقل منتسبي الدعم السريع، وكلّ المؤسّسات ذات الصلة، ينقلهم مباشرة من وضعهم الحالي في قمّة أوليّات الدولة، إلى الجانب الأقصى، كآخر ما يهمّ القوى المدنيّة التي ستأتي بها حكومة الثورة، أيّا ما كانت صيغة تشكيلها. حميدتي يمثّل الأمل بالنسبة لقوّاته، وليس مستغرباً أن تسميت هذه القوّات في قمع الثورة ومقاومة التغيير، تدفعها غريزة البقاء.
كيف يمكننا الخروج من هذا الوضع المعقّد؟ المفتاح يكمن في ملاحظة أنّ حميدتي لا ينفق على هذه القوّات من جيبه الخاص، وإنّما يستغلّ سلطته في تخصيص موارد الدولة للإنفاق على قوّاته. لفكّ الارتباط بين هذه القوّات وشخص حميدتي فإنّنا بحاجة لمقابلة عرضه لتطمين منسوبي الدعم السريع نحو مستقبلهم. لا يمكن طبعا الاستمرار في شكل الممارسة الحاليّة، وإلاّ فالأسهل الإبقاء على حميدتي. لا يمكن كذلك الاعتماد على الثقة في الدولة المدنيّة القادمة. حقّاً، فقد قامت السلطة المحسوبة على الثورة بمصادرة الكثير من الأموال والأصول من منسوبي النظام السابق، بينما قصرت عن إقناع أكثر الناس إيماناً بالثورة بأنّ هذه الأموال آلت للمصلحة العامّة. وبالنسبة لمنسوبي الدعم السريع، على وجه الخصوص، فهم يعلمون أنّهم ورثوا كثيراً ممّا نُزع من أيدي أرباب النظام البائد، وذلك بفضل وجود قائدهم على رأس السلطة. فمن الطبيعي إذن الاعتقاد بأنّ ما نُزع منهم سيؤول إلى أولياء من يرث الحكم. هذه، للأسف، ممارسة موجودة في تاريخ الدولة السودانيّة، ولا يمكن تجاهلها. كسر هذه الحلقة الشرّيرة يحتاج لحلّ ذكيّ، يستلزم الكثير من الجرأة في الاعتراف بوجود قضيّة عادلة ومظلمة تاريخيّة لدى هذه الفئات المجتمعيّة التي تتعضّد بالمستبدّ ”العادل“ في نظرهم، الذي يمنحهم نصيباً من الملك لا أمل لهم في نيله من خلال دولة مدنيّة لا تعيرهم اهتماماً ولا تسمع لهم قولا.
باستصحاب هذه الخلفيّة نتقدّم بالرؤية التالية:
(٥.١) يتم حصر الأصول والأموال والشركات الواقعة تحت تصرّف قائد الدعم السريع، وتتمّ تسجيل ملكيّتها لشركة مساهمة خاصّة، تحمل إسماً جديدا بطبيعة الحال.
(٥.٢) تعطى الدولة السودانيّة نسبة ١٠٪ من الأسهم، أو كما يتم الاتّفاق عليه، بالقدر الذي يسمح للحكومة السودانيّة بالتحكّم في الشركة في المدى القريب، ويحمي بقيّة حملة الأسهم من تسلّط الشريك الكبير في المدى البعيد.
(٥.٣) يعطى ”آل دقلو“، المتحكّمين فعليّا في هذه الأصول في الوقت الحالي، ٥٪ من الأسهم.
(٥.٤) تقسّم بقيّة الأسهم على منسوبي الدعم السريع المسجّلين بتاريخ اليوم، ٣٠ مايو ٢٠٢٢، تسجّل لهم بصفتهم الفرديّة، ويمكن استخدام الرتب العسكريّة كمرشد لتقييم الأسهم، على ألاّ يزيد الفرق عن ١٠ أضعاف بين سهم الرتب العليا والدنيا.
(٥.٥) يتم فتح الشركة للمساهمة العامّة بعد نهاية الفترة الانتقاليّة، وتوزّع الأرباح على المساهمين خلال هذه الفترة.
(٥.٦) يمكن الاستعانة ببيوت الخبرة العالميّة، آمثال ماكنزي وPwC وغيرها في تصميم وثيقة التأسيس وصيغة الأسهم التي توفّر الضمان الاجتماعي المطلوب.
الغرض من هذه المعالجة غير المألوفة هو فكّ الارتباط بين الضمان الاجتماعي الذي تبحث عنه هذه الفئة وبالطموح الشخصي للقائد. بالنسبة للمواطن العادي فلن يتضرّر كثيراً من انتقال الثروة من يد حميدتي إلى يد قوّاته، ولكنّ الفرق يكمن في سحب السلطة. وبهذه الخطوة الجريئة يمكن أن يتحوّل منسوبوا الدعم السريع مباشرة لداعمين للتحوّل المدني. فقط بعد ذلك سيكون من السهل الحديث عن حلّ الدعم السريع، حيث يتمّ انتداب أحد أركان الجيش للقيام بهذه المهمّة، وفقاً لتوجيهات قائد الأركان والسلطة الرئاسيّة. يتمّ استيعاب المؤهلين الراغبين في الجيش القومي، بعد معايرة رتبهم، ويتم تسريح البقيّة، والذين يمتلكون الآن الضمان المالي والاجتماعي الكافي كحملة للأسهم.
كذلك نرى تبنّي معالجة مماثلة بالنسبة لأموال وأصول الشركات التابعة للجيش وجهاز الأمن. الفرق بين الثلاثة في الإجراء الخاصّ بالمؤسّسه النظاميّة نفسها، ما بين الإبقاء على الجيش، التفكيك الآجل للدعم السريع، والتفكيك العاجل لجهاز الأمن. بهذه الخطوة نتجاوز أكبر العقبات في طريق الثورة، وفضلاً عن ذلك فامتلاك الأصول بواسطة قطاع كبير من المساهمين أكثر أماناً من تركيز هذه الثروة تحت تصرّف حكومة غير منتخبة. في نهاية الأمر ستدور الأسهم في البورصة السودانيّة وتدخل في حلقة الاقتصاد، بخلاف وجودها تحت قبضة حفنة من الأفراد تهدر ثروات البلد في بحثها عن شرعيّة لن تجدها.
——————————
(٦) آل دقلو
لعلّه لم يخف عن نظر القارئ تخصيص نسبة محسوسة من الأسهم لعشيرة حميدتي الأقربين. في أدنى المستويات فهذا حافزٌ إضافيّ له للتعاون في تحقيق هذه الرؤية، ولمن حوله لإقناعه بذلك؛ لكن في الأمر رؤية أبعد من ذلك!
من وراء تمدّد حميدتي وتوسّع نفوذه تكمن أحلام فئة كبيرة من القطاعات المهمّشة في السودان، في البادية والحضر، يطمحون نحو تحقيق مكانة اعتباريّة في المجتمع المدنيّ المأمول، وتكمن مظالم تاريخيّة كذلك. يمكن الإسهاب كثيراً في مناقشة هذه النقطة، ولكن نختصر النقاش بهذا السؤال الافتراضي: هب أنّ حميدتي كان قد دعم الثورة فعلاً، فزار ساحة الاعتصام، وبادل التروس الابتسامة وهم يقولون ”أرفع يدّك حبّة، والتفتيش بمحبّة“، وآكل الناس وشاربهم؛ هبه فعل ذلك؛ لكان اليوم يشقّ طريقه نحو الانتخابات القادمة، لا ينازعه أحد! ما نريد قوله هو أنّ حميدتي لم يكن بعيداً من أن يمثّل نموذجاً ملهماً للنجاح، لولا شرهه الزائد للانفراد بالسلطة، بما تعلّمه من البشير. وبعد، فبينما نجد المجتمع المدنيّ متسامحاً في هذا الجانب، مستعدّا للتقاضي عن إجرام النميري، على سبيل المثال، فلا يخلو الأمر فيما يلي حميدتي ومن خلفه من نظرة ازدراء يلزمنا الاعتراف بها، يصمونه بتاجر الحمير تارةً، ويسخرون من ركاكة انجليزيّته تارة أخرى.
من حقّ حميدتي وأهله الاعتراف بنجاحهم الجزئي، وفي ذلك رد اعتبار كبير لفئات كبيرة في المجتمع، ودعوة لهم للانخراط في المجتمع المدني، والتخلّص من نظرة العداء نحوه. فضلا عن ذلك، فتخلّي آل دقلو عن أحلام الملك نظير الاحتفاظ بنصيبٍ من الملك لأمر محمود. هذه هي الفكرة الأساسيّة، ولدينا متّسع من الوقت للنقاش.
——————————
(٧) جهاز الأمن
مستقبل جهاز الأمن من المواطن التي ظهر في تباين واضح بين نظرة الثوّار، على الأرض وفي الأسافير، ونظرة القوى السياسيّة. حديث قوى الحرّيّة والتغيير عن إعادة هيكلة جهاز الأمن حالمٌ ويفتقر للموضوعيّة، لعدّة أسباب؛ منها:
١. تمّ تأسيس جهاز الأمن بالكامل بواسطة النظام السابق، على أيدي كوادر التنظيم الإسلاموي، فهو ينتمي إذن للنظام، لا للدولة السودانيّة، ووظيفته حماية أمن النظام.
٢. التطابق كبير بين عناصر جهاز الأمن وكوادر النظام، والعديد من الأسماء المعروفة في النظام يحملون رتبا في جهاز الأمن. بعبارة أخرى فإنّ جهاز الأمن يمثّل النظام نفسه!
٣. جهاز الأمن متنفّذ بشكل كبير في الدولة السودانيّة، وأيّ وجود له يهدّد الاستقرار الأمني والاقتصادي.
يتمتّع أفراد جهاز الأمن بامتيازات كبيرة، ممّا قد يجعلهم يستميتون أمام أيّ محاولة لتغيير النظام وحلّ جهاز الأمن. وبالإضافة لتسليحهم الشخصي، فلديهم نفوذ كبير داخل الجيش وكلّ مؤسّسات الدولة، كما لديهم كامل الأدوات لممارسة الضغط والابتزاز والاغتيال. باختصار، فجهاز الأمن هو العدو الأكبر والمهدّد الأساسي للتغيير. المبرّر الذي يقدّمه السياسيّون لرغبتهم في الاحتفاظ بجهاز الأمن هو الحفاظ على المعلومات، والرد عليه، ببساطة، أنّه لا يمكن الاعتماد على المعلومات التي يقدّمها. يلزم تفكيك جهاز الأمن الحالي، وفيما بعد يمكن للسلطة المنتخبة أن تشكّل جهاز استخبارات جديد إن اقتضت الضرورة.
رؤيتنا لمعالجة جهاز الأمن تتلخّص في عبارة ”المال نظير السلطة“، بتبنّي نموذجٍ مشابه لما وصفناه بالنسبة للدعم السريع. الفرق الأساسي هو ضرورة التفكيك السريع لجهاز الأمن.
——————————
(٨) الإسلاميّون
تفكيك التنظيم الإسلامي يحتاج لمجهود كبير ورؤية مدروسة لا تتوفّر للدولة السودانيّة الضعيفة الحاليّة، وقد أثبت العامان الماضيان ذلك. لم تكتف الحكومة المحسوبة على الثورة بعجزها عن استيعاب الإسلاميّين وتوظيفهم داخل مظلّة الثورة، بل فشلت حتّى في وضعهم على الحياد، وعمدت إلى دفعهم دفعاً لمعاداة الثورة والتكتّل ضدّها، وجعلت من وجود الإسلاميّين مبرّرا تخفي خلفه إخفاقها في تقديم رؤية مستقبليّة طموحة. كان من الممكن القبول بكلّ هذا لولا التناقض الكبير المتمثّل في التماهي مع حميدتي من جانب، من أجل إرضاء الدول التي تقف من خلفه، والتماهي مع جبريل إبراهيم من الجانب الآخر.
لسنا بصدد محاكمة التجربة أو توجيه الأصابع، وإنّما القصد من هذا التقديم أنّ استعداء الإسلاميّين في المرحلة التاليّة يدخل الثورة في صراعات لا تملك الدولة السودانيّة تكلفتها. وقد حرص الإسلاميّون كثيرا خلال الفترة الماضية على إثبات عدم أفضليّة الأحزاب عليهم، وقد نجحوا في ذلك جزئيّاً. هذه الصراعات لا تعنينا كثيراً، والمتضرّر منها المواطن السودانيّ ودولته.
باستصحاب هذه الخلفيّة نتقدّم بهذه الرؤية للفترة القادمة:
(٨.١) قد يلزم استبعاد الإسلاميّين من الوظائف الإداريّة، ولكن لا يوجد مبرّر كافٍ لفصلهم من العمل كليّا وملاحقتهم في أزقّة الحياة. يلزمنا تطمين الجميع ودعوتهم للانخراط في التحوّل المدني، إلاّ من أبى.
(٨.٢) التنظيم الإسلاميّ شموليّ بطبيعة تكوينه. لاستيعاب الإسلاميّين في البيئة الديموقراطيّة نقترح أن يسمّي المجتمع الإسلاميّ اثنين من قياداته، على أيّ أساس من الأسس، يقومان بتأسيس حزبين منفصلين تنقسم بينهم القاعدة الإسلاميّة. مثلا، حزب تقليدي وآخر حداثي، حزب شبابي وآخر بقيادة قديمة، الخ. مثلا حزب يتزعّمه غازي صلاح الدين وآخر بزعامة هشام شمس الدين.
(٨.٣) يلتزم الحزبان بالدخول في منافسة حرّة، وعدم الائتلاف على الأقل لحين انتهاء الدورة الانتخابيّة الأولى.
هذه الخطوات البسيطة نرجو أن تكون كفيلة بتقريب الإسلاميّين من بقيّة أطياف المجتمع، والعكس كذلك، فإحدى الكتلتين الإسلاميّتين أو الأخرى ستكون جاذبة لهذا التنظيم أو ذاك للتحالف والائتلاف.
——————————
(٩) السلطة التمهيديّة
بعد مناقشة خيارات الأطراف المتنوّعة يمكننا الآن وصف وظيفة وهيئة السلطة التمهيديّة.
تتلخّص وظيفة السلطة التمهيديّة في انتزاع شرعيّة الثورة والحصول على الاعتراف داخل وخارج السودان، ومن ثمّ منح الشرعيّة القانونيّة في الاتّجاهين، كما تقوم ببسط الأمن وبناء وترميم مؤسّسات الدولة. في الخارج يلزم وجود جهة اعتباريّة تمثّل الالتزام القانوني للدولة السودانيّة في كلّ التعهّدات الخارجيّة، المذكورة وغير المذكورة. في الداخل توفّر السلطة التمهيديّة الشرعيّة الدستوريّة لكلّ التغييرات الطارئة اللازمة لإكمال تفكيك النظام السلطوي تمهيدا للانتقال الديمقراطي.
بناء على ما تقدّم فإنّ السلطة التمهيديّة تأخذ شكلا مصغّرا جدّا، في شكل مكتب رئاسي مكوّن من رئيس (للمكتب والدولة) ونائبه، أمين عام (وزير للداخليّة)، قائد أركان الجيش، وأمين مالي (وزير للمالية). يتمّ تشكيل هذه السلطة وفق إعلان دستوريّ واضح. هذا الشكل ليس معتاداً بطبيعة الحال، وسبب هذه الغرابة يعود لتفرّد الثورة السودانيّة الحاليّة. في معظم التجارب في العالم فإنّ التخلّص من نظام شموليّ يتضمّن تدخّلا خارجيّا مسلّحا يفرض السلطة الجديدة بقوّة السلاح. في الثورة الحاليّة يطمح الشعب السودانيّ للتغيير الذاتي، ولذلك فإنّ السلطة الجديدة تحتاج لأنّ تسيطر أوّلا على مؤسّاسات الدولة قبل أن تشكّل تشكيلة وزاريّة تقود بها هذه المؤسّسات. من أجل ذلك تقدّمنا بهذا التصوّر لقسم العمليّة الانتقاليّة إلى مرحلتين: مرحلة تمهيديّة، بسلطة رئاسيّة فعّالة، ومرحلة انتقاليّة، بسلطة وزاريّة توافق رؤية قوى الحرّيّة والتغيير.
بحسب رؤيتنا تمتدّ السلطة التمهيديّة لفترة تتراوح ما بين ستّة أشهر وسنة، تنتهي في الأوّل من يناير أو الأوّل من يوليو في العام ٢٠٢٣. كلا التاريخين يحمل رمزيّة واضحة، فالأوّل من يناير هو عيد استقلال السودان، أمّا الأوّل من يوليو فيعقب ذكرى مليونيّة ٣٠ يونيو المجيدة.
المهمّة الأولى للسلطة التمهيديّة هي بسط سلطة الثورة في كلّ المؤسّسات والقطاعات والأحياء، وذلك من القواعد (grass-root model)؛ بمعنى أن يخاطب المكتب الرئاسي كافّة مؤسّسات الدولة (الهيئات، الجامعات، لجان الأحياء، المستشفيات، الجهاز القضائي، الخ) لانتخاب إدارات جديدة، وتقديمها للاعتماد. تتواصل هذه العمليّة حتّى مستوى وكلاء الوزرات، والذين تعتمد عليهم السلطة التمهيديّة في تسيير الدولة.
المؤهّلات الأساسيّة لرئيس السلطة التمهيديّة هي الاحترافيّة والإيمان بقيم الثورة، ويمكن العثور على هذه المؤهّلات لدى شخصيّة شغلت إدارات تنفيذيّة في مؤسّسات كبيرة. يحضرني ههنا أكثر من نموذج، أذكر من بينها الدكتور طارق احمد خالد، المهندس صالح ميرغني، والمهندس محمّد نورين.
——————————
(١٠) السلطة الانتقاليّة
اكتمال عمليّة التغيير هذه داخل المؤسّسات هو علامة نضوج السلطة التمهيديّة، واستعداد الدولة لبدء المرحلة الانتقاليّة. وقد يظهر سؤال عن ضرورة وجود فترة الانتقاليّة. وظيفة الفترة الانقاليّة هي تهيئة المناخ لبناء الوعي السياسي. فبعد استتباب سلطة الدولة في الفترة التمهيديّة تبدأ الأحزاب السياسيّة في التواصل مع قواعدها وطرح رؤاها وبرامجها. طول الفترة الانقاليّة وشكلها تحدّده كلّ القوى السياسيّة من خلال حوارات مفتوحة بينها في الفترة التمهيديّة.
عند تشكيل السلطة الانتقاليّة ينتقل أفراد السلطة التمهيديّة إلى مجلس سيادة يفوّض السلطة لرئيس الحكومة الانتقاليّة.
——————————
(١١) الجهة الضامنة
في وجود كلّ هذه الأطراف المتباينة فإنّ تنفيذ هذه الخطّة يحتاج لجهة مستقلّة تضمن الاتّفاقات. نظريّا يمكن أن يلعب الاتّحاد الأفريقيّ أو الأمم المتّحدة هذا الدور، لكن عمليّا فإنّ الجهة الأنسب للعب دور الضامن للاتّفاقات هو الولايات المتّحدة، لعدّة اعتبارات، منها:
١. لا تملك مصلحة مباشرة في السودان، أي يمكن النظر إليها كطرف محايد.
٢. لديها مكانة اعتباريّة في العالم، وتملك تأثيرا مباشرا على الأطراف الإقليميّة.
٣. تمثّل الولايات المتّحدة نموذج الحرّيّة والديموقراطيّة التي يتطلّع لها الشباب، ويمكنها أن تسهم بشكل مباشر في تقديم المشورة والمعونات اللوجستيّة للمكتب الرئاسي فيما يتعلّق بتصميم الدولة وبسط الأمن وتفكيك جهاز أمن النظام.
لدينا كذلك ما يدعونا للتفاؤل بأنّ الولايات المتّحدة راغبة في لعب هذا الدور، بحسن نيّة، وقد بدأت بالفعل مؤخّرا في إبداء اهتمام واضح لمجريات الأحداث في السودان. لقد فشلت في الماضي محاولات الولايات المتّحدة لفرض النموذج الديموقراطي في العراق وأفغانستان. هذه الرؤية تمنح الولايات المتّحدة فرصة للمشاركة في نموذج تاريخيّ ناجح يجمّل صورتها، وذلك برعاية رؤية من الداخل، بدلا من فرض رؤية تمّ تصميمها في مكان آخر.
——————————
(١٢) مليونيّة ٣٠ يونيو
خلال شهر يونيو يتمّ التباحث حول هذه الرؤية لإقناع الأطراف المختلفة لتبنّيها. التنفيذ الفعلي لهذه الرؤية يحتاج لزخمٍ شعبيّ كبير، بما يقنع الجميع بشرعيّة التغيير وقبوله بواسطة الجماهير، وهذا ما توفّره مليونيّة ٣٠ يونيو المأمولة. إذن فهذه الرؤية يُرجى منها تمثيل الرؤية الاستراتيجيّة المصاحبة للمليونيّة، وبالمقابل فالمليونيّة يُرجى منها توفير الغطاء السياسي. يمكن إعلان تشكيل السلطة الرئاسيّة المتوافق عليها من داخل المليونيّة، وإعلان الاعتراف بها من المسيرات المصاحبة من أمام السفارات حول العالم.
——————————
(١٣) اعتصام القيادة العامّة
رغم التوافق المسبق المأمول قبل ٣٠ يونيو فإنّنا نضمّن في هذه الرؤية إعادة اعتصام القيادة بنفس هيئته. الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو رتق النسيج الاجتماعي، واستعادة الثقة بين الشعب وقوّاته المسلّحة. بلى، فلم يكتف الجيش بفشله في حماية المواطنين أمام قيادته، بل تمّ توريطه وتلطيخ سمعته بتأمين الاعتصام المعادي للثورة أمام القصر، تمهيداً للانقلاب.
فضلا عن ذلك، فاعتصام القيادة مثّل ملتقىً جميلاً لأبناء الوطن، ومشتلاً خصباً لغرس الروح الوطنيّة والهويّة السودانيّة. من أجل ذلك نتقدّم بالرؤية التالية:
(١٣.١) يتمّ الإعلان مسبقاً، ومنذ اليوم، عن اعتصام في ساحة القيادة العامّة.
(١٣.٢) يتعهّد قادة وأركان القوّات المسلّحة عهداً شخصيّاً بتوفير الحماية للمعتصمين.
(١٣.٣) يقوم رئيس السلطة التمهيديّة بزيارات منتظمة لساحة الاعتصام، يخاطب فيها المعتصمين، ويطلعهم على مستجدّات الأحداث.
(١٣.٤) يقوم التلفزيون القومي ببثّ برامج متنوّعة للعالم من داخل ساحة الاعتصام.
(١٣.٥) يتمّ رفع الاعتصام بعد إعلان السلطة الانتقاليّة من داخله.
(١٣.٦) يتحوّل الاعتصام بعدها إلي كرنفال ربع سنوي، كما وصفنا من قبل في رؤية ”لقاء الشعب“.
٣٠ مايو ٢٠٢٢