الأحد ، ٢٩ مايو ٢٠٢٢
لله ما أعطى ولله ما أخذ … غيب الموت الرجل القامة والشجرة الظليلة وعاشق باريس عاصمة النور والمعرفة ابن عمي صلاح الدين عبدالرحمن أحمد عيسى الذي ظل يعمل بسفارة قطر بباريس لما يزيد عن خمس وأربعين عاماً كان خلالها نِعم الأخ والصديق والرفيق للعديد من الطلبة القطريين الذين تلقوا تعليمهم الأكاديمي والعسكري في عاصمة النور باريس وكان خير معين لهم على امتداد السنوات، كما تناوب عليه العديد من السفراء القطريين الذين مثلوا بلادهم خير تمثيل.
فقدنا للعزيز الغالي صلاح مساء الجمعة كان صاقعاً حيث عانى كثيراً من أمراض متعددة كان أصعبها في المرحلة الأخيرة حيث عانى من إلتهاب في الصدر مع ضيق في التنفس، ورغم الجهود المقدرة التي بذلها الأطباء في أكثر من مستشفى في باريس إلا أن قضاء الله كان أسرع مع ايماننا الصادق بأن لكل أجل كتاب … ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلاح على الصعيد الشخصي ولكل من عرفه وأحبه شجرة ظليلة تعطي بلا منّ ولا أذى فيديه ممدودة على الدوام لأهله وقلبه يتسع لحب الجميع وهذا ما يشهد به أصدقاؤه وأخوانه القطريين الذين عايشوه عن قرب وعرفوا معدنه، فهو انسان محب لعمله يواصل الليل بالنهار دون كلل أو ملل فاستحق من الجميع الإشادة والتقدير.
لأن الموت حق على كل انسان فإننا لا نقول إلا مايرضي الله ورسوله فكل نفس ذائقة الموت ولكل أجل كتاب مهما إمتدت بنا الأيام وتطاولت الشهور والسنين ولا نملك إزاء هذه الحقيقة إلا أن نقول لله ما أعطى ولله ما أخذ.
الموت الذي غيب صلاح سيكون صعباً وقاسياً وصاعقاً على أهله وأصدقائه وتلاميذه في المراحل التعليمية المختلفة، كما سيكون قاسياً على أهله في السودان، فصلاح يداً ممدودة بالخير والعطاء لأهله ومعارفه وأصدقائه فهو لم يكن بخيلاً ولا يفرق بين أهله في العطاء حتى أيام قدومه إلى وطنه ومسقط رأسه تكون فرحاً يعم الجميع.
بقدر ما كان قلبه عامراً بحب الجميع فإن داره ظلت مشرعة على الدوام لأهله وأصدقائه وزواره، وكل عابراً أو قادماً إلى عاصمة الضوء لا يجد له ملجأ إلا في منزل صلاح في منطقة “لاكورنوف” وأبناء مدينته الأبيض هم أحب الناس إلى نفسه يقدم لهم العون والمساعدة سواء كانت مادية أو معنوية بروح مرحه ووجه ضاحك.
لن تسعنا هذه المساحة للحديث عن صفات صلاح الذي أحب قطر وأحبه القطريون واعتبرهم أهل له في غربته، فهو صاحب روح مرحه ودائم الإبتسام في وجوه الجميع الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم.
بدموع سخينه بكى الجميع الراحل الباقي صلاح عبدالرحمن فهم عندما يذكرونه يذكرون كل صفاته الحميدة وقال عنه ابن عمته المهندس خالد عبدالله معروف في رثائه أنه كان ناجحاً في حياته و جاداً في مهنته و مخلصاً في عمله، أخذ عن والده -عليه رحمه الله- الجدية والمثابرة والإهتمام بالآخرين، ولا يدانيه أحداً في كرمه ونداوة يده وصلة رحمه وإكرامه لأمهاته وأخوانه وأهله عامة.
عاشق باريس وكل المدن الفرنسية غاب عن شوارعها المضيئة وعن بهجة أحداثها المتلاحقة، وستبقى كل تلك المقاهي حزينة لرحيله فهو رحيل بطعم الشراب المّر.
وسيذكره الجميع بقال الحي وصاحب الفرن والصيدلية القابعة في الزاوية البعيدة.
لقد تعلمنا من صلاح الكثير وكان خير مرشداً لنا لنذهب إلى الحي اللاتيني وأن نزور برج ايفل و ديزني لاند ومونمارتر وكل أحياء باريس القديمة.
عزائي إلى أبناء عمومتي وأشقاء صلاح السفير فاروق وصاحب مكتبة الجيل الفاضل والزراعي الهميم أمين وإلى أخواته ليلى وزينب وإلى زوجته الحبيبة سارة مكي الفحيل وإلى أنجاله خالد وأحمد وابنته الغالية أمل.
والعزاء من قبل ومن بعد لنا نحن أهله وقبيلته وأحبائه وتلاميذة، والشجرة الظليلة لا تموت أبداً وتبقى تعطي من ثمارها وظلالها حتى بعد الرحيل وليرحمك الله يا ابن عمي رحمة واسعة ويجعل الجنة مثواك مع الصديقين والشهداء، سترحل عن باريس وأنت تحمل عبقها وجنسيتها أنت وأسرتك أملي أن نلتقي في رحاب عزيز مُقتدر فكلنا راحلون.