فض الاعتصام جريمة بشعة في حق شعب أعزل كل ذنبه أنه يطالب بالحرية والسلام والعدالة.
كانت النية مبيتة وكان هناك إصرار وترصد، ولا أدل على ذلك من إبعاد قناة الجزيرة القطرية، ومنعها من التغطية، وفات المدبرين أن العالم أصبح كتاباً مفتوحاً، ولا شيء بعيد عن الرصد.
ادعى المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الفريق شمس الدين كباشي “إن القوات السودانية لم تفض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالقوة”، وأنها “استهدفت منطقة مجاورة له باتت تشكل خطرا على أمن المواطنين” وتحولت الى “بؤرة للفساد والممارسات السلبية التي تتنافى وسلوك المجتمع السوداني”.
طبعاً هذه الرواية لم تنطل على أحد، فالشعب السوداني جميعه في ساحة الاعتصام جسداً وروحاً، فأصبح على قلب رجل واحد، بل إن السودانيين في الخارج ظلت عيونهم تتابع ما يحدث، وقلوبهم واجفة.
لماذا حاول هؤلاء تشويه ثورة شهد لها العالم بالرقي والسلمية، فقد استقطبت ساحة الاعتصام ممثلو الدولة، الذين جاؤوها آمنين، وشاركوا الثوار حياتهم في هذه البقعة من العالم الفسيح، التي أصبحت رمزاً جميلاً معبراً عن قيم أهل السودان.
إن ما نشهده اليوم من تشبث بالسلطة نتيجة طبيعية للجريمة البشعة، والخوف من الجنائية الدولية، ومطاردتها لمرتكبيها.
وما نلمسه من تشوش تفكير من يقودون الأمر اليوم يؤكد التأثير النفسي العميق للجريمة، الذي يفقدهم البوصلة، ويدفعهم إلى المضي قدماً في ارتكاب المزيد من الجرائم، كان لسان حالهم “خسرانة.. خسرانة”.
والعجب أنني وجهت يومها رسالة قلت فيها: “إن القوى الوطنية التي تراخت وهي تتراشق فيما بينها، والمجلس العسكري يتلاعب بها، يجب عليها أن تعي أنها أمام اختبار حقيقي لإرادتها في أن تعلي القيم الوطنية على ما سواها، ويجب أن تعرف أن عليها قيادة المرحلة وتجييش قاعدتها للدفاع عن حياض الوطن، فلم يعد هناك مجال للمناورات السياسية البعيدة عن الواقع، والحالمة بإمكان إقناع العسكر بتسليم السلطة”.
للأسف الشديد مضوا يمارسون ترف الخلاف، حتى تهيأ الملعب لانقضاض العسكر في انقلابهم الذي مرَّ عليه أكثر من نصف العام، والشعب يقدم الشهيد تلو الشهيد.
حمى الله السودان وشعبه، وجعل الله كيد من يتربصون به في نحرهم، وسلم شبابه القابض على الجمر حتى بلوغ النهايات السعيدة لثورة عظيمة قلَّ نظيرها في التاريخ الإنساني، وهي ممكنة رغم الجراح وعظم التضحيات.