٤ يونيو ٢٠٢٢
قبل أن يجفّ الحبر الذي كُتِب به ما يسمى بـ “مرسوم رفع حالة الطوارىء” الذي أصدرته سلطة الانقلاب ووعدت فيه بتهيئة المناخ للحوار، تكفّلت الأجهزة الأمنية بنسف مصداقية هذا المرسوم بمواصلة الملاحقات والمداهمات والاعتقالات التعسفية وتصعيد وتيرة القمع الدموي في مواجهة المواكب السلمية .. كأنّ تهيئة المناخ، التي قصدها المرسوم الكذوب، هي تلويث الفضاء بسحبٍ – تتكثّف من الغاز المُدْمِع الخانق والدخان المنبعث مع زخّات الرصاص – لا تمطر غير الموت والجراح.
مقطع الفيديو الذي وَثّق لحظة اغتيال شهيد مواكب الأمس بمناسبة ذكرى فض الاعتصام، الطبيب حديث التخرج أحمد عبد الله “عليه رحمة الله”، يؤشِّر إلى أن السياسة الأمنية لسلطة الانقلاب ماضية في استرخاص الدم ولا تقيم وزناً لحرمة الأرواح، وأن وعدها للآلية الثلاثية بوقف العنف هو وعدٌ عرقوبي بذلته في سياق استراتيجية “البقاء بمناورات شراء الوقت” التي تلجأ لها النظم المستبدة عندما يشتدُّ عليها حصار الأزمات وضغط قوى الثورة والتغيير.
لا أظن أحداً شاهد ذلك المقطع المصور لعملية الاغتيال ووجد ما يلوذ به غير الحزن والغضب، فهذا الشهيد الباقي لم يكن في فمه أكثر من هتاف ولم يكن في يده غير تلويحة النصر، ومع ذلك أطلقوا عليه الرصاص !!
واجب قوى الثورة المُلِح هو تحويل شحنات الحزن والغضب إلى فعلٍ إيجابي بدلاً عن تهريبها إلى ميدان صراعاتها البينية الدونكيشوتية الذي تتكسر فيه السيوف على طواحين الهواء .. الفعل الإيجابي المطلوب هو توجيه سهم البوصلة الجماعية إلى ميدان المعركة الحقيقي عبر جبهة عريضة تتوحد فيها إرادة التغيير وتتنوع وتتصاعد وتتكامل أساليب المقاومة السلمية والوسائل السياسية حتى إنهاء الانقلاب والتأسيس الدستوري لمسار انتقالي جديد، تقوده سلطة مدنية كاملة، لتحقيق أهداف الثورة الممهورة بتواقيع الشهداء.