منذ متى ونحن نرفع هذا الشعار ؟ كنا صبية وأكثرنا لا يعرف ما هو البنك الدولي . ثم كبُر في رؤوسنا صندوق النقد الدولي ، ورميناه بالتهم ، وقلنا أنه الاستعمار الجديد والإمبريالية الحديثة . وتم تحذيرنا من فخّ القروض ، وقيل لنا أن الموظفة السابقة للبنك الدولي تريزا هايتر تم تكليفها بعمل بحث حول مدى استفادة الدول النامية من القروض . وبالصدفة اتضح لها بعد تحليل عميق للمعلومات التي جمعتها أن القروض ما هي إلا فخ منصوب لهذه الدول الفقيرة لتتجه لمزيد من الفقر والديون ، ففصلت الموظفة وبقي البنك الدولي بلا تغيير. وحين جاء مارشال بنظريته ، وأتبعتها المعونة الأمريكية ، قيل لنا إنه مدخلٌ جديد من مداخل الاستعمار وسيتم بموجبه تركيعنا وإفقارنا ، فما كان منّا إلا أن رفضناها ، ورفعنا أصواتنا في مواجهتها واستعدينا من سعى لإدخالها إلى بلادنا .
والآن ، والبنك الدولي هو البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي هوهو لم يتغير . وأمريكا رأس الرأسمالية والإمبريالية تزداد شراسة وضراوة في مواجهة فقرنا ، وتتضخم أشداقها من التخمة بالرغم من تفاصيل الفقر في داخلها . لكنا بدأنا هرولة غريبة نحو الفخ ، ولم نعد نخشى الوقوع فيه . ويبدو أنه لا يهمنا أن نقع فيه أو لا نقع ، فليست أمامنا خيارات . بدأت الهرولة في شكل أفراد ، ثم جماعات ، ثم جاء وقت أصبحنا فيه نشعر بالندم أننا تأخرنا في الالتحاق بركب الرأسمالية . وذاب فص ملح المنظومة الإشتراكية وتبخرت أفكارها التي سيطرت على عقولنا فترة طويلة من الزمان . راح الاتحاد السوفيتي مثله مثل الشمار في المرقة ، وراحت الدول الاشتراكية التي تبعته كأنها لم تكن موجودة . وتفكك حلف وارسو وبدأ في الانضمام لحلف الناتو الذي كنا نصفه بالعدائية .
ثم توجهنا نحن بكليتنا ومددنا رقابنا للبنك الدولي علّنا نحصل ، على الأقل ، بذبح حلال . ولم تعد الشعارات هي الشعارات ، وهرولت قياداتنا في هجرة بدت مقدّسة لتطلب القروض ، والإعفاء من الديون ، بل وتقدمت أكثر أنها طلبت قروضا لتسدد بها ديون القروض السابقة .
وفي لوحة مشابهة ظللنا نحمل شعار : لن يحكمنا العسكر . هم في حقيقة الأمر حكمونا حتى الآن أكثر من خمسٍ وخمسين سنة. وتحمّل جيلنا وطأة حكم العسكر في طفولته وصباه ، وهرمه . والشعار مرفوع والراية لم تنزل . وبالأمس في افتتاح دكان تخفيضات ، ردد العسكري الكبير أن القوات المسلحة لا ترغب في حكم البلاد ، لكنها ، اسمعوا لكنها دي ، لن تتخلى عن حماية الوطن ، ولن تسلّم السلطة إلا لحكومة وفاق سياسي أو حكومة منتخبة . ولو جلس هذا الرجل أمام كاميرات التليفزيون ، وسئل عن ما هو الوفاق الوطني لأسترسل في إجابته حتى يصبح الوفاق مستحيلا . كما أن العسكر وفهمهم للانتخابات قد جربناه كثيرا وتذوقنا مرارة الخج والتزوير والترهيب والترغيب والكثير مما منحهم فرصة حكم البلاد للثلاثين سنة الأخيرة بلا انقطاع . وكما هرولنا للبنك الدولي ، سنهرول للعسكر ، وسيحكمنا البنك الدولي ، أو يقتلنا فقراً، كما سيحكمنا العسكر أو يقتلوننا قهراً .