ينتمي الشاعر السر قدور لطائفة الشعراء المغنين، هو لا يكتب الشعر بالورقة والقلم، ثم يعطيها لملحن أو يحاول أن يأتي لها بلحن، لكنها من الأول تخرج بلحنها، يبدأ في ترديد الكلمات الاولى مع لحنها، ثم يكمل المقطع وينتقل لمقطع آخر، ثم ثالث، وهكذا تخرج الأغنية، وبعد أن تكتمل يبدأ في تدوينها، وتسجيلها بلحنها.
هذا نمط موروث أيضا من المدائح، فكل المادحين العظام يأتون بالنص مع لحنه، مغنى أو ملحن، وفي مسيرة الغناء السوداني هناك مدرسة كاملة من الشعراء المغنين، عمر البنا ومحمد عوض الكريم القرشي ومحمود فلاح، وعلى أثرهم جاء السر قدور وعوض جبريل.كل أعمال السر قدور جاءت ملحنة، وإن كان الكاشف مثلا يفضل أن يخضعها لمزاجه اللحني، فيغير لحنها كليا، أو يجري عليها تعديلات.
أذكر مرة أنه كان يعمل، وكنت والزميل الراحل دسوقي نتجادل في أمر الصحافة الرياضية، فانزعج من أصواتنا العالية، وصاح طالبا منا الهدوء “دة مكان عمل…موش قهوة، اسكتوا خلونا نشتغل” فصمتنا وانتقلنا لمكان آخر. عدت للمكتب بعد خمس الدقائق فوجدته يترنم بلحن ما وهو ينقر على المكتب، فواجهته “موش طردتنا قلت عايز تشتتغل، إنت قاعد تغني”..فعاجلني بالرد ” إنت قالوا ليك أنا شغال دكتور…أنا غناي، فطالما بغني معناها شغال”.
ارتبط السر قدور الشاعر في مرحلة بالفنان إبراهيم الكاشف، وفي مرحلة متقدمة بالفنان كمال ترباس، لكن نصوصه موزعة بين فنانين كثر، سيد خليفة وإبن البادية والعاقب محمد حسن وصلاح محمد عيسى ومنى الخير…الخ.
تحدثنا عن علاقة السر قدور بالفنان إبراهيم الكاشف، وكيف أنه كان أكثر المؤمنين بقدرات الكاشف العبقرية في التلحين والأداء، لهذا لم يكن غريبا أن يعطيه بعض الأعمال ليقدمها، ولكل أغنية قصة مصاحبة لها.
يحكي قدور أن الشاعر الكبير عبيد عبد الرحمن تحدث في جلسة ضمت عددا من الشعراء والفنانين منتقدا ميل الكاشف وفنانين آخرين للالحان المركبة والمعقدة، وابتعادهم عن الأغنيات الخفيفة، مما فتح المجال لأغنيات التمتم المتدنية في كلماتها لتتسيد حفلات الأعراس، ودعاهم لتقديم أغنيات خفيفة ترقص عليها الفتيات في الحفلات.
تحمس السر قدور وقال أن لديه كلمات تصلح لأغنية خفيفة وراقصة، والتقطها إبراهيم الكاشف ووعد بتقديمها، سمع عبيد البروفة وأبدى إعجابه بها. كانت هي أغنية ” قول ليه قول ليه…قلبي انشغل بيهو …ونسيت دنيا الناس…ما كنت ناسيهو”.
تجمعوا ذات جمعة ليسمعوا الكاشف يغنيها على الهواء في الإذاعة، لكن ما أن وصل الكاشف لمقطع دنيا الناس حتى تسلطن في كلمة الناس وصعد بها إلى مقام آخر ولوًن في نطقه بها، أعجب الحضور بأداء الكاشف ، بينما سكت الشاعر عبيد عبد الرحمن، ثم همس للسر قدور “صاحبك الحلبي بوظها…قلنا عايزنها راقصة …لكن قعد يجرجر فيها”.
بعدها عاد للكاشف ليشرح للحضور أنه وخلال البروفات لم يكن هناك أي تغيير في اللحن والاداء، لكنه بينما كان يغني استهوته كلمة الناس…. ” وأنا شغال لقيت حتة أغني فيها…أخليها ساكت… والله ما بخليها”. وكما ذكرنا فقد كان الكاشق وقدور، وربما آخرين من جيلهم يطلقون على التطريب والسلطنة كلمة”غٌنا”، وكثيرا ما يشير قدور لجزء من أغنية للكاشف أو عثمان حسين ويقول لك “أهو هنا قام غنًى”.
هذه واحدة من أجمل أغنيات الكاشف وقدور، لكنها لم تجد حظها من الاستماع، ولم أجد تسجيلا للكاشف في الشبكة العنكبوتية، وأظن أن الفنان الوحيد المعاصر الذي رددها هو عباس تلودي.