ظل مطلب أيلولة شركات الجيش والأمن والشرطة لوزارة المالية أحد أهم مطالب ثورة ديسمبر المجيدة، باعتبار أن النشاط التجاري والاستثماري هو من ضمن الأنشطة التي يقوم به المدنيين فقط، وأن تنحصر استثمارات الجيش في الإنتاج الحربي، وأن ينحصر دور ومهام جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المعنية لا أن يمارس النشاط التجاري، وأن تخضع القوات المسلحة وبقية الأجهزة الأمنية للسلطة المدنية، وهو ما يعني تحقيق الدولة المدنية الكاملة.
ورغم أن الأجهزة الأمنية المختلفة ظلت تمارس القتل بالرصاص الحي والمطاطي وبنادق الخرطوش والدهس بالعربات ضد الثوار السلميين، يبدو أنها لم تكتفي بذلك فها هي تمارس القتل بالمواد القاتلة سواء كان السيانيد أو الزئبق المحرمان دوليًا، ولكن الثورة حية في كل أرجاء السودان.
نظمت اللجنة السداسية لحماية البيئة بمنطقة وادي حلفا وحدة عبري الإدارية موكبًا حاشدًا في الثالث من يونيو الجاري في ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، من قرية صواردة إلى مدخل الطريق نحو مصنع (المجموعة الدولية إحدى استثمارات جهاز الأمن والمخابرات)، والذي يعمل في استخلاص الذهب من الكرتة باستخدام مادة السيانيد السامة، وطالب المتظاهرين بتفكيك المصنع ومنع استخدام المواد الكيميائية في استخلاص الذهب داخل حرم القرى، وهتف المتظاهرين في الموكب بهتافات (لا للزئبق والسيانيد، صواردة منطقة حرة والعسكر يطلع برة، وغيرها..).
وكان قرارًا بتفكيك المصنع وترحيله صدر في أيام حكومة الفترة الانتقالية لكن لم يتم التنفيذ بسبب التماطل والتسويف تنصلًا من القرار.
وقالت اللجنة السداسية في بيان صادر في الثالث من يونيو أنها خاطبت إدارة الشركة برفضها القاطع أي محاولة لتشغيل المصنع، وحملتها تبعات ومآلات تشغيله. وأكدت في البيان رفضها للقتل بالرصاص أو عبر المواد القاتلة (سيانيد، زئبق) وتعهدت في البيان أن تكون المنطقة خالية من التعدين العشوائي ومخلفاته، خاصةً وأن المصنع يبعد حوالي 4 كيلومترات فقط من قرية صواردة.
جدير بالذكر أن العالم يحتفي في الخامس من يونيو كل عام باليوم العالمي للبيئة والذي جاء هذا العام تحت شعار (لا نملك سوى أرض واحدة)، وذلك بالدعوة إلى إحداث تغييرات تحويلية في السياسات لتمكين العيش في وئام مع الطبيعة بصورة أنظف وأكثر استدامة.
في السياق قال الدكتور صلاح شرف الدين مؤلف كتاب (السيانيد أو صناعة القتل العمد) في إفادة للميدان إن الزئبق محرم دوليًا حتى في الرتائن وفي ترمومتر العلاج، مضيفًا هو الأساس في عملية التعدين، وأكد أن السيانيد مادة سامة تستخدم في الإعدام واستخدمه الألمان في قتل 4 مليون في المجازر التي أرتكبها النازيين في الحرب العالمية، كما استخدمه الفلبينيون في صيد الأسماك، مشيرًا إلى أنه مركب عضوي وهو قاتل لكل الحيوانات التي تتنفس.
وأضاف قائلًا إن المعهد الدولي للسيانيد وضع تسعة شروط للتعامل معه من نقل وغيره، وأكد أن أول هذه الشروط أن تتم الموافقة من المواطنين في المنطقة التي يتم فيها استخدامه، وهو ما لم يحدث في حالة مصنع جهاز الأمن الذي أقيم في تلك المنطقة وسبب أضرارًا.كبيرة ولا يزال.
وأشار إلى إن هنالك 32 معمل تم إقامتها في مجاري السيول وفي سفوح الجبال، محذرًا من خطورة نزول بقايا (الكرتة) إلى النيل مع السيل مما سيتسبب في قتل الحياة في النيل، وسيتأثر أيضًا بها الإنسان.
وأكد الدكتور صلاح شرف الدين أن هناك ظواهر كثيرة لأمراض بدأت في الظهور بسبب السيانيد السام، منها العقم وانتشار الأمراض والتشوهات الخلقية الموجودة في المنطقة، إضافة إلى الأمراض الوبائية مثل مرض الكبد الوبائي –c. وأكد رفضهم استخدام السيانيد في تلك المنطقة لخطورته على الحياة.
من جانبه قال الباحث البيئي محمد صلاح أن الشركة تبعد أربعة كيلو من النيل ومن ومواقع الزراعة والسكن، ويقع المصنع في وادي في منطقة مسار لجريان المياه الطبيعية، وقال من قبل جرف السيل مخلفات الكرتة والسيانيد للنيل ومواقع الزراعة، وأكد أنه تمت دراسة أثبتت كميات عالية من مركبات النيتروجين التي تكسر السيانيد وصلت للأراضي الزراعية وأثرت على الإنتاج والإنتاجية، وقال إن اللجان الفنية حكومية وغير حكومية قدمت توصية بإلغاء المصنع أو نقله إلى مكان آخر.
من جانبه أوضح السكرتير الإعلامي للجنة حماية البيئة (اللجنة السداسية) والمقصود بها ست قرى هي (واوة، شمتو، أرو، صواردة، عبود، كويكا)، أن موكب 3 يونيو والذي صادف مجزرة 3 يونيو جاء بعد أن قررت وزارة المعادن مزاولة المصنع للعمل، فقامت الأجسام المطلبية في المنطقة بالإضافة للجنة المقاومة بتحريك موكب نحو المصنع.
وقال السكرتير الإعلامي للجنة السداسية وائل حسن إن بعض أعضاء اللجنة قاموا بمقابلة مدير المصنع واشترطوا أن لا يتم تشغيل المصنع نهائيًا، وأكدوا رفضهم التام لوجود أي عامل أو موظف في المصنع، والتزم المدير بتلك المطالب، وأضاف إن العمل الثوري والقانوني سيتواصل لمناهضة مصنع الموت في المنطقة.
الميدان