ميلاده كان في حي دردق العريق بمدينة ود مدني، والذي ضم كل القوميات السودانية لكونه تأسس بسكنى الجنود السودانيين الذين عادوا بعد المشاركة في الحرب العالمية الثانية. فالفاتح حسين أحمد عبد المجيد في طفولته شارك هذا المزيج الاجتماعي رقصاته في مناسباته اليومية من أفراح الأعراس، والطهور. وبالقرب من الحي كانت هناك غابة أم بارونا بجوار النيل، والتي يقضي فيها الصبي كل وقته فيمتع نفسه بالطبيعة الخلابة. الفاتح يرى أن مجتمع مدني مفتون بالرياضة، والثقافة، والفنون، حيث شكل له أرضية خصبة لهواياته الفنية، خصوصا أن دردق كان يوجد فيها موسيقيون أمثال محمد آدم المنصوري، وإسماعيل عبد الرحيم. من حظ الفتى المفتون بالنغم حينذاك أن خاله بابكر مرحوم كان رساما، وعازفا، للعود، ويهوي الاستماع إلى الراديو. ولما كان الفاتح شغوفا بالفن، وحافظاً للأغاني التي شكلت له ذاكرة سمعية كان يتحين غياب خاله فيعزف على عوده، وأحياناً يستمع إلى الراديو، ويحفظ الأغاني مليا حتى إن خاله ضبطه يوما يعزف فارتاح لنغماته التي أوحت لبابكر أن لابن أخته مستقبلا مرموقا في دنيا الفن. ومع خوف الفاتح من العقاب شجعه الخال على مواصلة العزف، ولكن حذره من أن ينقطع على يديه وتر واحد حتى لا يصيبه بعض مكروه، ثم حصل على أول آلة موسيقية حتى أجاد الهرمونيكا. وعبر المثابرة أجاد في إتقان عزف أغنيتين، بجانب تمارينه على العود الذي يقبع في الصالون. إذ ينتهز غياب الخال ثم بحسه النغمي العالي يخلص من إرواء ظمأه الفني. لاحقا عمل الفاتح طوال عطلة صيفية كاملة ليدخر مالا حتى يشتري آلة الاكورديون التي وجد أنها تقاسم آلة الهارمونيك في بعض المزايا، فسرعان ما تعلم الأكورديون. وكان من شدة ولعه به يأخذه إلى سوق مدني حيث هناك يحصل على دخل من دكان لترزي ليبر به الوالدة التي ساهمت كثيرا في تربيته، ويوظف الباقي من الدخل لشؤون المدرسة. ولا يزال الفاتح كلما زار ناس السوق القدامى يذكرونه بعزفه الذي يروحهم كثيراً. زاد الولع بصوت الجيتار عند الفتى الذي لم يتجاوز الأربعة عشر ربيعا بعد ارتياده حفلات الفنانين الآتين من الخرطوم امثال الكابلي، ووردي، وعثمان حسين، ومحمد الأمين نفسه، وبعض فرق الجيتار التي تزور مدني لحفلات الأعراس، وتقديم عروض في مسارح الجزيرة. ولما استغرق في حب الجيتار هام بالفنان شرحبيل أحمد حتى إنه كان يقطع صورته من على غلاف مجلة “الإذاعة، والتلفزيون، والمسرح” فيعلقها في الصالون، ويرمقه بنظرات من على قرب، وبعد. حمى الآلة الساحرة قاد الصبي إلى صنع جيتار بنفسه من رقائق الجوالين فيحمله على ظهره، ويعزف عليه ثم يرقص على أنغامه التي لا تشبه أنغام الجيتار الحقيقي بالطبع. في الصف الأول بمدرسة مدني الثانوي تزامل مع صديقه عثمان النو الذي كان يجيد العود، ووجد هناك غرفة تمارين للموسيقي، وأستاذا لها هو محمد قسم الله مليجي المشرف على الفرقة الموسيقي للمدرسة، وهو والد زميله العزف في فرقة محمد الأمين فايز. مليجي الكبير سراعا لمح هذا الفتح الموهوب فمنحه جيتارا عهدةً يتدرب عليه. وفي الأثنا كان يستفيد من وجود أي عازف آتٍ من الخرطوم لينال منه حظا من التوجيه، إذ لم يكن هناك عارفون للآلة كثر في مدني. ولما جاءت أوان الدورة المدرسية الأولى في مدني، والثانية بالخرطوم، علقت في عنقه ميداليتان ذهبيتان في العزف المنفرد في الدورتين. وزفته هذه النجاحات للالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح متخصصا في الجيتار، وتوطد نشاطه النظامي مع الفنانين ليشمل العزف على آلتي البيز، والجيتار معا. كان خوجلي عثمان أول الفنانين الذين عمل معهم عازفا لآلة الجيتار، ثم عمل مع شرحبيل الذي عده قدوته حتى إنه لم يكن ليصدق أحيانا أنه يلون موسيقى شرحبيل الذي كانت صورته تصاحبه آناء الليل، وأطراف النهار في صالون الأسرة بمدني، ثم لاحقا التحق بفرقة الفنان محمد الأمين الذي يرجع إليه الفضل في شهرة الفاتح بصولاته الأخاذة عبر فرقته أثناء عامه الثاني الدراسي في المعهد. في عام 1981 كون الفاتح، وعازفا الكمان ميرغني الزين، وأحمد باص، فرقة ثلاثية نشطت في تقديم أعمالها خصوصا في الجامعات حيث وجدت رواجا. ولكن سفر ميرغني لمواصلة تحصيله العلمي الموسيقي في روسيا، وكذا سفر أحمد باص للعراق أوقف نشاط الفرقة. وبعد شهور كون الفاتح فرقة باسمه مقدما مساهمة مميزة. ولما عاد الطالبان شرعوا في تكوين فرقة السمندل التي مثلت نقلة كبيرة في توزيع وتنفيذ العمل الموسيقي، ووجدت قبولا كبيراً. الفاتح المولود في عام 1958 قدم رصيدا هائلا من الإنتاج الإبداعي، والجهد الاكاديمي، ما أهله ليشغل الآن منصب عميد كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا حيث حاز على درجة الأستاذية، وتمثيل بلاده في المجمع العربى للموسيقى. بعد نيله بكلاريوس كلية الموسيقى والدراما متخصصا في الجيتار في عام 1983 نال أيضا ماجستير الموسيقى في أكاديمية روسيا الموسيقية بموسكو في عام 1995. أما درجة الدكتوراة في الفلسفة الموسيقية فنالها من ذات الأكاديمية في عام 1997. ولاحقا تلقى دبلوما فوق الجامعى فى آلة الجيتار (إستجروفكا) في الأكاديمية الروسية ايضا في عام 1992. بخلاف دوره في تطوير العمل، والمهنة بالكلية، والجامعة ساهم الفاتح حسين في وضع منهج تدريس آلة الجيتار، والموسيقى السودانية. وشغل عضوية المؤتمر الأكاديمى لتطوير مناهج الكلية، ولجنتي برنامجي الدبلوم الوسيط، والدراسات العليا بالكلية. وعمل عضوا بلجنة امتحان البكلاريوس بالكلية، وتزكية الطلاب المتقدمين للتحضير للدرجات العليا وكذلك عضوية لجنتي مجلس قسم الموسيقى ومجلس أساتذة الكلية ثم مجلس أبحاث الكلية، وأصبح عضوا في مجلس عمداء جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا فضلا عن ترأسه شعبة الموسيقى السودانية بكلية الموسيقى والدراما، والإشراف على البحوث العلمية لنيل درجة الماجستير والدكتوراة داخل الكلية وفى الكليات المشابهة الأخرى. وعمل البروفيسير الفاتح ممتحنا داخليا لعدد من البحوث العلمية لنيل درجة الماجستير والدكتوراة. كما عمل محكما لعدد من البحوث والكتب العلمية ذات التخصص. نشر الفاتح بعض الكتب، والبحوث العلمية منها الاستفادة من الأساليب العزفية للآلات الشعبية السودانية، وأدائها بالآلة الحديثة في مؤتمر االموسيقى العربية عام 2021، والمرأة المبدعة ودورها الفاعل فى الحراك المجتمعى فى السودان في مؤتمر الموسيقى العربية القاهرة 2019م، والموسيقى السودانية المعاصرة ودورها فى الحراك الثقافى العربى والعالمى في مؤتمر الموسيقى العربية القاهرة 2018م، والموسيقى السودانية بين الشفاهية والتدوين – لمحات تاريخية – مؤتمر الموسيقى العربية القاهرة 2016م، والغناء باللهجة العامية السودانية، ودوره فى تحقيق التواصل الثقافى بين البلاد العربية في مؤتمر الموسيقى العربية – القاهرة 2015، وكتاب المنهج الخماسى السودانى لآلة الجيتار – سلسلة إصدارات لجنة التاليف والترجمة والنشر – جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا – الطبعة الاولى 2015م، ودور الفنان شرحبيل أحمد فى إثراء الساحة الفنية السودانية – وهو بحث توثيقى صدر عن مكتبة ومركز بحوث أميركا الجنوبية، والوطن العربى. من أهم الكتب التي أصدرها الفاتح حسين “تاريخ الجيتار فى أفريقيا والسودان” في عام 2009. وكتاب أغانى سودانية على الجيتار التقليدى في عام 2005. ومن المقالات التي كتبها تناول مواضيع التراث الموسيقى والعولمة ودور آلة الجيتار فى الفرق الموسيقية الوترية، وفرق الجاز مجازاً والموسيقى السودانية والعولمة -الآثار والحلول، ولمحات تاريخية عن الموسيقى والغناء بالسودان اتجاهات الفكر الموسيقى فى القرن العشرين. وقدم فناننا محاضرات داخل وخارج السودان عن التنوع الثقافى بالسودان في فرانكفورت بألمانيا، ومراحل تطور الموسيقى السودانية بمركز ومكتبة البحوث بأميركا الجنوبية والوطن العربى في ساوباولو بالبرازيل. ونال الفنان منذ عام 1974 عضوية عدد من الفرق والاتحادات الفنية في الجزيرة، وعلى المستوى القومي. وانضم الفاتح إلى فرقة الفنان محمد الأمين منذ 1980م وشارك مع عدد من الفرق الموسيقية المصاحبة للمطربين الآخرين منهم، محمد وردى، وأبو عركى البخيت، وخوجلى عثمان، وأحمد المصطفى، وعثمان الشفيع، وشرحبيل أحمد وآخرين . شغل الفاتح منصب مدير عام الفرقة القومية للموسيقى والآلات الشعبية من 1998م إلى 2002، وعضوية اللجنة الوطنية (اليونسكو) والمجلس القومى لرعاية الثقافة والفنون 1999، وساهم في المؤتمر التأسيسى الاول لاتحاد المعاهد والكليات والأكاديميات الموسيقية بجامعة الروح القدس في بيروت، واللجنة الفنية الاستشارية لإدارة الفرق الموسيقية (وزارة الثقافة ) 2002، والمؤتمر العلمى السابع بجامعة حلوان كلية التربية الموسيقية. وهو مؤسس فرقة د.الفاتح حسين الموسيقية الغنائية الاستعراضية 2000. شارك في أكثر من أربعين مهرجانا محليا وأقليميا ودوليا، أبرزهم مهرجان الثقافة الاول – الخرطوم 1981 ومهرجان الخرطوم الدولى للموسيقى الأول – 1989م ومهرجان الإقليم الاوسط للثقافة والفنون 1984م وإقليميا شارك في مهرجان الأغنية العربية بالجزائر 1985، ومهرجان نداء السودان بدول مجلس التعاون الخليجى 1987، والمؤتمر العاشر للمجمع العربى للموسيقى 1987، ومهرجان القلعة االثالث عشر – القاهرة – 2002م ومهرجان دار الاوبرا المصرية الصيفى – القاهرة- 2003، ومهرجان اكسبو – أسمرا – ارتريا 2012، ودوليا مهرجان ساوباولو الثقافى في البرازيل – 2013م 38 ومهرجان بورغاس الثقافى العالمى الدورة 44 – بلغاريا 2016 م 2- مهرجان بورغاس الثقافى العالمى الدورة 45- بلغاريا 2017. ألف الموسيقار الفاتح حسين عددا من الأعمال الموسيقية والغنائية، فضلا عن تأليف الكثير من أنماط الموسيقى التصويرية لعدد من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية والأفلام الوثائقية، كما أشرف على العديد من الالبومات الغنائية منها إلبوم سلام للفنان النوبى سيد جاير وإلبوم ودمدنى وإلبوم نرجسة للفنان محمد الأمين، وإلبوم ناكر الهوى للفنان أبو عركى البخيت، وقدم التوزيع الموسيقى للعديد من الإلبومات الغنائية.
قام الموسيقار الفاتح أيضا بتأليف مالا يقل عن ثلاثين مقطوعة موسيقية مسجلة بالأجهزة الرسمية، وهو مؤلف أغانى ألبوم سكت الرباب للراحل الفنان محمود عبد العزيز في موسكو، ومؤلف أغاني إالبوم الغيم للفنان طارق أبو عبيدة في موسكو، ومؤلف موسيقى إلبوم دوبيت الجيتار بموسكو. كما قدم العديد من اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية بالسودان والدول العربية والأوروبية، واللاتينية. التحية للموسيقار الفاتح حسين الذي امتدت رحلته الإبداعية لأكثر من أربعة عقود لفت فيها أنظار كبار المبدعين لما يتمتع به من موهبة موسيقية في عزف الجيتار، وهو لما يكمل العشرين من عمره، وعرف منذ الثمانيات بوصفه واحدا من أهم عازفي الجيتار الذين مروا في تاريخ الاوركسترا السودانية، ولم يكتف بموهبته التي حققت له وجودا موسيقيا، وشهرة واسعة، لقدرة أنامله في التعامل مع الجيتار. بل اجتهد في مشواره العلمي الموسيقي حتى نال الدكتوراة في المجال، ونشط في توظيف معرفته في إثراء التنوير الموسيقي إبداعيًا، ونشرا، في منتجعات محلية، وإقليمية، ودولية، حيث مثل السودان بشكل مشرف في نشاطاته الإبداعية، وكذا مساهماته الأكاديمية. وكل هذا الحصاد العلمي والإبداعي طوال هذه السنين أهل الموسيقار ليكون عميدا لكلية الموسيقى والدراما حيث يضع زملاءه ثقتهم فيه لتطوير الكلية لتصبح جامعة خاصة للفنون. نبعث كل التقدير للفنان الخلوق الفاتح حسين وهو لا بد نموذج يحتذى به للأجيال القادمة لضرورة المثابرة للجمع بين الموهبة، والعلم.