حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان اليوم الخميس، من أن ثلث سكان السودان “يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي”.
وأفاد البيان: “يواجه حالياً عدد قياسي يبلغ 15 مليون شخص في السودان، ثلث السكان، انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. وأوضح أن “الآثار المجتمعة للنزاع والصدمات المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع التكاليف وضعف إنتاجية المحاصيل تدفع بملايين الناس إلى مزيد من الجوع والفقر”.
وكانت منظمة يونيسف أكدت، في بيان مشترك مع 3 منظمات في مجال الإغاثة، أن “8.2 ملايين من الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية (في السودان) من النساء والفتيات، و7.8 ملايين من الأطفال”. وأضاف البيان أن “3 ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون حالياً من سوء التغذية الحاد، منهم 650 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد”.
وكانت منظمة رعاية الطفولة أعلنت، الأسبوع الماضي، وفاة طفلين نتيجة الجوع في ولاية شمال دارفور غربي البلاد.
ويعاني السودان أساساً من أزمة اقتصادية، تفاقمت بعدما قطعت العديد من دول الغرب مساعداتها عن الخرطوم.
وتقدر الأمم المتحدة أن 18 مليوناً من إجمالي 45 مليون سوداني سيعانون بنهاية السنة من انعدام الأمن الغذائي، أكثرهم معاناة 3.3 ملايين نازح يقيم معظمهم في دارفور. ولا يزال السودان يواجه باستمرار مستويات عالية من سوء التغذية الحاد والتقزم، ما يشكل مشكلة كبيرة على الصحة العامة.
وأكد الباحث الاقتصادي عادل عبد العزيز أهمية استغلال موارد السودان الزراعية، في إشارة إلى تأثر إمدادات الغذاء للدول العربية بالحرب الروسية الأوكرانية، وإلى الدور الذي يلعبه في استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة 2030، والبرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي.
وسبق أن أصدر وزراء الزراعة العرب، كنتيجة مباشرة لتأثر إمدادات الغذاء للدول العربية بالحرب الروسية الأوكرانية، بتاريخ 14 إبريل/ نيسان 2022، إعلان نواكشوط للأمن الغذائي العربي المستدام، أشاروا فيه إلى أنهم يدركون أن “الزراعة العربية تزخر بطاقات كامنة وموارد غير مستغلة، وأنهم بصدد إطلاق استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة 2030، والبرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي”.
وأكد عادل عبد العزيز أن “السودان أكثر الدول العربية تأهيلا كلاعب رئيس في هذين البرنامجين”، ودعا وزارة الزراعة، والوزارات المختصة، بالتعاون مع وزارة الخارجية، وبالاستعانة بخبراء المنظمة العربية للتنمية الزراعية، إلى رفع الاستراتيجية الزراعية السودانية، كمبادرة تقود الاستراتيجية العربية، ونبه قائلا “حانت الفرصة وعلينا ألا نضيعها كما ضاعت العديد من الفرص”.
وحول السبيل الأمثل لاستغلال الموارد الزراعية، أكد “ضرورة تحريك جمود الاقتصاد، عن طريق المعونة الإنمائية الرسمية ODA، وهي المعونات والقروض والمنح التي تضخ في اقتصادنا من دول ومنظمات أجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر FDI، وتشجيع المستثمرين الوطنيين وحمايتهم، وتيسير الحصول على التمويل من المصارف، وتشجيع التمويل الأصغر، وتبسيط إجراءات الحصول على تراخيص العمل المختلفة وتسهيل هجرة الكوادر التي لا تحتاجها البلاد، ليضخوا من خلال مدخراتهم وتحويلاتهم موارد مالية بالنقد الأجنبي تساعد في تحريك جمود الاقتصاد”.
وأشار إلى أن “الطرق التي تمكن البلاد من أموال وتقانات ضخمة تتمثل في ثلاثة، الأولى تشجيع الشركات الوطنية ورأس المال الوطني على الاستثمار في الزراعة بمنحها الأراضي الزراعية بأسعار رمزية، وحمايتها من ادعاءات الملكية غير الموضوعية، وتوفير البنيات التحتية في مناطق الإنتاج”.
أما “الطريقة الثانية فتتمثل في الحصول على رأس المال المطلوب للزراعة من البنوك ومؤسسات وشركات التمويل الأصغر”. والطريقة الثالثة هي “جذب موارد خارجية من دول أو مؤسسات مالية دولية أو من شركات خاصة أو مستثمرين خواص”.
ودعا الحكومة إلى “سنّ سياسات تشجع الاستثمار، وتجهيز البنيات التحتية في مواقع الإنتاج من سدود وخزانات للمياه، وتوفير الكهرباء في مناطق الزراعة، وتوفير الطرق الزراعية، وخطوط السكة الحديدية في مناطق الإنتاج، وأن تعدّ وزارة الاستثمار خريطة الاستثمار الزراعي، والسياسات التحفيزية، والتركيز على سياسة الإنتاج من أجل الصادر في محصولات وسلع معينة تحتاجها الدول، مثل القمح، الزيوت النباتية، اللحوم، الألبان، السكر”.
وأشار المتحدث ذاته إلى إمكانية تصدير ما قيمته 60 مليار دولار سنوياً من هذه السلع، حسب ما أثبتت دراسات علمية سابقة، أهمها دراسة شركة لامير الألمانية، وهي دراسة مودعة الآن طرف وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
وأكد الباحث أن “كل ولاية تتمتع بخصوصية وميزة نسبية”، مشيدا بـ”الجهود التي تقدمها الهيئات البحثية والعلماء لإنتاج أنواع من الذرة مقاومة للآفات، إذ استطاعوا بالتعاون مع مركز بحوث الأراضي الجافة بدمشق ومراكز بحوث تركية إنتاج عينات من القمح مقاوم للحرارة، ويمكن زراعته في مناطق مختلفة من السودان”.
يشار أيضاً إلى أن القطن المعدل وراثياً أحدث ثورة كبرى في مجال زيادة إنتاجية القطن السوداني وتقليل تكلفة إنتاجه.
وأكد مجددا أن “أراضي السودان في كل أجزائه تقريباً صالحة لإنتاج كل المحاصيل الغذائية والنقدية، بتكلفة استصلاح منخفضة للغاية”.
وسبق أن نبهت السلطات الحاكمة في السودان إلى أن البلاد تعاني من مجاعة حقيقية، وبحاجة إلى تحرك سريع، وأن الوضع الإنساني مأساوي، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة.
قمح السودان يتسرب إلى مصر
ويقول الاقتصادي بابكر الجاك أن الفشل في إدارة الاقتصاد “هو أهم سمة خلال العامين الماضيين، بسبب الصراع السياسي والمشاكسات التي عطلت تنفيذ أي سياسات إصلاحية في الاقتصاد، وأهملت قطاعات الإنتاج، وطبيعي أن تأتي التحذيرات بحدوث مجاعة أو فجوة غذائية في البلاد”.
وقال الجاك إن البلاد “وصلت إلى مرحلة ركود تضخمي أدى إلى إغلاق معظم المصانع وتسريح العمالة، وكثير من قطاعات الإنتاج توقفت عن العمل. الآن أصبح الاقتصاد السوداني غير منتج على المستوى الوظيفي والعملي نسبة للرسوم والضرائب الكبيرة التي ظلت تفرضها الحكومة الحالية على القطاعات المختلفة، فتعطلت القطاعات الإنتاجية المختلفة، لأن الإجراءات التي ظلت تتخذها الحكومة يوميا من أجل زيادة الإيرادات تعتمد على جيب المواطن في سكنه ومكان عمله، فتوقفت وتيرة الإنتاج وقلت الإيرادات، وتوقف حال الناس، وزادت وتيرة الفقر والعطالة لدى المواطنين، حتى إن كثيرين تركوا العمل وأصبحوا عالة في انتظار الهبات والمعونات، وهذا جعل الجميع يفكرون في الهجرة، ما يعنى تناقص رأس المال البشري الذي يمكن أن تعتمد عليه الحكومة في إيرادها”.