Eihab@live.com
المتابع لما يدور في وسائط التواصل الاجتماعي يندهش ويصاب بالحيرة والذهول ، والمشهد يكشف عن متغيرات طرأت على مجتمعنا وعلى الناس ابتداء من حالة الهياج وإلغاء الآخر والإساءات التي أسموها تنمراً، وهو تنمر حقيقي يؤسف ويؤلم فكم من شخص نشر مادة عادية نال بسببها عقوبات وأذى جسيماً وتمت الإساءة إليه وإلى أسرته ، وكم من شخص نشر مادة فارغة المضمون وجد الاحتفاء وصار نجماً وكسب شهرة مما يبين سوء التقدير عند الناس وسوء التقييم.
وموقع مثل تيك توك صار مركزاً لكل الانحرافات يهمل فيه المحتوى الجيد ولا يجد احتفاء ولا يكترث له الناس بينما محتويات سخيفة يلتف حولها الناس ويصفقون ، ولعل أكثر ما يدهش أن يعمد مشتركو الموقع من ابناء السودان إلى كل ما يخالف قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ، قيم عرف بها السودان وأهل هذا الوطن وارتبطت بحياتهم وتعاملاتهم تجاوزها هؤلاء وصاروا يقدمون الفيديوهات العارية والتي يحتوي كثير منها على الكلام الغث وعلى الفجور والتفسخ. وما يحدث داخل مواقع التواصل يصور ما وصل إليه مجتمعنا من انحدار ، فقد كنا نعايش زمناً تخاف فيه البنت والمرأة من أخيها وأبيها وعمها وزوجها ، وربما جارها ، لكن أن تعمد الواحدة إلى نشر فيديو ترقص فيه بملابس خليعة ومبتذلة أو شبه عارية فهذه علامة مسيئة ومخيفة لأنها تعنى غياب الرقابة بالكامل فلا أخ يغضب ولا والد يحاسب ولا هي تخاف، وسقط القول وفاحشه ينهمر على جنبات تيك توك وتبدو المساحة مثالية للكيزان ليصوروا أنفسهم أنبياء للإنسانية وحماة للدين بانتهازيتهم المفرطة المعروفة. أنا أعرف أن الإعلاميين والشخصيات المشهورة يمكن أن تختلف ، وقد تصل إلى مراحل من الخلاف يمكن أن تصل إلى القضاء ، لكني لا أعرف سبباً واحداً لنشر هذا الخلاف وتداعياته على مواقع التواصل ، اختلفت مع زميلك فهذا أمر عادي ، يمكنك أن تتصل به وتشتمه ويبادلك السباب واللعنات ، وقطعاً هذا أمر ليس أخلاقياً وغير مقبول لكنا نفترضه وهو يمكن أن يحدث على أرض الواقع وقد تكون له أسبابه ، لكنا لا نجد سبباً لشخصين معروفين حدث بينهما خلاف فجعلا يتبادلان الشتائم على الفيديوهات المنشورة ويفضحان نفسيهما بشكل مدهش وغريب . وموقع فيسبوك كان موقعاً مهذباً يحترم مشتركيه ويحميهم من كل نشر لا يراعي الحشمة والأدب ويمنع أي صورة تحمل ملامح إباحية لكنه غير من أساليب ضبطه القديمة فصار موقعاً يسهم في نشر القبح والإباحية والإساءات فلا يدافع إلا عن المثليين ونجدهم يمنع الكلمات التي تشير إليهم ويحذف التعليقات التي ترد فيها الإشارة إليهم. لقد صارت الفضاءات مفتوحة وطرق الوصول سهلة فلابد أن يجتهد الآباء وأرباب الأسر في الرقابة وحسن التربية واختيار وسائل الإقناع ، إذ ثبت أن لا مجال للمنع أو قفل الأبواب ، لكن التربية السليمة والتي تعتمد على الإقناع وتعلم محاسن الأخلاق هي السبيل إلى الخروج من مأزق منشورات وسائط التواصل الاجتماعي.
وبعد أن صارت وسائط ومواقع مثل فيسبوك وواتساب وانستجرام كلها تحت إدارة شركة واحدة فلابد أن نفهم أنها ليست للتواصل فقط أو الترفيه بل هي سلاح بالغ الخطورة يحتاج إلى وسائل شفيفة وقادرة على مجابهة هذا السلاح. أدعو كل أب وام لمراقبة أجهزة هواتف ابنائهم ومعرفة ما تحويه هذه الأجهزة ، وأحلم بأن يلتزم ابناؤنا وبناتنا بالقيم السودانية الأصيل بالتوقف عن المنشورات المسيئة والمخجلة والتي لا تليق بشعب مثل شعب السودان عرف بالنقاء والغيرة والالتزام.